بقوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(١).
هذا إن قلنا : إن كلام إبراهيم «عليه السلام» كان على سبيل الحقيقة وليس على سبيل الاستدراج ، مع أن الروايات قد أكدت أنه قد كان على سبيل الاستدراج لقومه ليقيم عليهم الحجة.
بل إن القرآن نفسه قد صرح بذلك ، حيث عقب هذه الآيات بقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ)(٢) ولهذا البحث مجال آخر.
وعلى كل حال ، فإن الصحيح هو : أن عبد المطلب كان مؤمنا ، معتقدا بالله الواحد القادر ، الحكيم الخ .. استنادا إلى حكم الفطرة والوجدان ، لكنه كان يريد أن يجسد هذا الإيمان ، أو يريد أن يستدرج غيره للإيمان بما آمن هو به ، بعد إبطال احتمال أن يكون لهذه الأصنام أي شأن أو شفاعة.
بل إن الأحاديث قد دلت على أنه كان هو وآباؤه ، من الأنبياء «صلى الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين» ، هذا بالنسبة لإيمانه.
أما بالنسبة لسلوكه ومواقفه ، فإنهم يقولون عنه : إنه كان يقطع يد السارق ، ويمنع من طواف العراة ، ويوفي بالنذر ، ويؤمن بالمعاد ، ويحرم الزنى ، والخمر ، ونكاح المحارم ، وكان يأمر ولده بترك الظلم والبغي ،
__________________
(١) الآيات من ٧٦ ـ ٧٨ من سورة الأنعام.
(٢) الآية ٨٣ من سورة الأنعام.