النمرود الأول بن كوش بن حام بن سام بن نوح عليهالسلام :
واسم النمرود : عول ، وكان أسود ، أحمر العينين في جبهته غدّة كالقرن مشوها ، وهو أول أسود رؤي بعد الطوفان ، وجميع السودان من ولده ، وذلك بدعوة أبيه عليه لمّا صدر منه ما صدر ، والقصة معلومة ، فدعى على حام أن يكون ولده سود مشوهين ، وأن يكونوا عبيدا لبني سام. ودعا على ولد يافث أيضا بأن يكونوا عبيدا لبني سام ، وأن يكونوا من شرار النيابين.
وكان حام / جميلا طيب الرائحة ، وكان لا يغشى زوجته خوفا من دعوة أبيه ، فلما مات أبوه جامعها ، فحملت بكوش ، وأخته ، فنظرهما ، ففزع منهما ، وجاء إلى أخويه فأخبرهما ، وقال : قلت لها : هل قربك شيطان أو أحد غيري؟ فقالت : لا. فقال له سام : دعوة أبيك.
فاغتمّ لذلك وتركها دهرا ، ثم غشيها فولدت له أسودين : قوط وتوأمته ، فهمّ أن يجب نفسه فمنعه أخوه فتركها زمانا ، ثم واقعها فولدت : كنعان وأخته ، فرآهما ، فخرج على وجهه لا يدرون أين ذهب ، وكان جبارا عنيدا ، فدخل عليه إبليس وقال له : أنا كاهن الكهان ولم أر في ولد جدك أحدا يقاربك ، وأنا معينك وناصرك على أن تذبح لي ولدك ، وتجعله لي قربانا ، وتصلي لي صلوات ، فأكون معك ، وأجعلك كاهنا ، وأقيمك مقامي. ففعل ما قاله فصرف معه الشياطين ، وسلّطه على بني سام ، وأغواه ، فحاربهم وقهرهم بتجبره ، فانقادوا له.
ثم أن إبليس بنى قصرا للنمرود ، وصفحه بالذهب ، ونصب له فيه أسرة الذهب وكللها بالدر والجوهر الأحمر فكان القصر وما حوله يضيء من تلك الجواهر.
ودفع له سيفا يتألق نورا في رأسه شبه الثعبان يمتد إلى من يومىء إليه فيقتله.
فاستعبدهم وزاد طغيانا ، ودعا الناس إلى عبادته ، ثم أمر أن يبنى له صرحا من صم الحجارة بالكلس والزيت فلم يبق أحد إلا عمل فيه ، فبلغ ارتفاعه سبع مائة ذراع وجوفه من بعد مائة ذراع ، فجعل فيه أبوابا مهندسة ، وأقام فيه أساطين عظام ، وجعل عليها طبقات ، وجعل كل طبقة منها ارتفاع مائة ذراع ، وصور في مجالسها وأساطينها نقوشا عجيبة ، وأجرى فيه ماء مرفوعا ، وجعل في كل طبقة من الطعام والشراب ما يكفي أهلها زمانا ، وبسط فيها الفرش الملونة ، وكان عرض كل حائط من الصرح ألفي ذراع وكان على أن يتم طوله ألف / ألف ذراع.
وجعل حوله أصحاب أخبار يطوفون في الناس ، ويرفعون إليه أخبارهم ، فإذا ذكروا له أن أحدا استنكف عن عبادته صرحه من فوق الصرح. وزعم النمرود إذا جاز به السحاب صعد عليه [إلى](١) الفلك.
__________________
(١) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.