الكواكب ورصودها أمره أن يحتجب عن الناس ، وألقى على مصرام بسحره نورا شديدا لا يستطيع أحد النظر إليه. فأداه ذلك إلى دعوى الألوهية وغاب عن الناس ثلاثين سنة واستخلف عليهم رجلا من ولد عرناق ، وكان كاهنا. ويقال : إن مصرام ركب على عريش وحملته الشياطين حتى وضعوه في وسط البحر الأسود فجعل فيه قلعة من الفضة ، وجعل عليها صنما للشمس وزبر عليه (١) : أنا (٢) مصرام الجبار ، الكاشف الأسرار ، الغالب القهّار ، وضعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ، ليعلم من بعدي أن لا يبلغ أحد ملكي ، وكل ذلك في أوقات / السعادة والسيادة.
وكان قد عمل في جنته شجرة عظيمة عجيبة مولدة ليأكل منها جميع الفواكه ، وعمل فيه قبّة من زجاج أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس بدورانها ، وكل بها شياطين إذا اختلط الظلام نادوا : لا يخرجن أحد من منزله حتى نصيح وإلا هلك.
وهو أول من عمل له الحمّام.
ثم أن أهل مصر أرادوا أن ينظروه ، وسألوا خليفته في ذلك ، فأمرهم أن يجتمعوا ، فجلس لهم في مجلس عال ، وقد زين بأصناف الزينة وتزين مصرام بأصناف الحلل والجواهر ، وخرج عليهم في صورة هالتهم رؤيتها ، وامتلأت قلوبهم رعبا منها ، فخروا على وجوههم فأحضر لهم الطعام والشراب ، فأكلوا ، ثم رجعوا إلى منازلهم ، فلم يروه بعد ذلك. وبلغ في كهانته ما لم يبلغه أحد من آبائه ، فلما تولى بعده :
عنقاطر الكاهن :
قعد فيهم وعمل مدينة عجيبة عند العريش. وقيل : إن إدريس عليهالسلام رفع في زمانه. وعمل لهم طلسمات وعجائب كثيرة منها شجرة من حديد ذات أغصان ولطخها بدواء مدبّر فكان يجتلب إليها كل صنف من الوحش.
وفي كتب المصريين : أن هاروت وماروت كانا في وقته ، وعلما أهل مصر كثيرا من السحر ، ونقلا بعد الطوفان إلى بابل.
وكان عرناق (٣) فاسقا يجتلب النساء بسحره ، وكان يسكن البستان الذي عمله نقارس. وأما الناس ، فإنهم كرهوه وملّوه ، فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فأسّمته
__________________
(١) في المخطوط : عليها ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : أن ، وهو تحريف.
(٣) كذا هنا عرناق ، وفي عنوان الترجمة عنقاطر ، فلا أدري أيهما الصواب ، وإن كنت أرجح الثاني والله أعلم.