وقال له : جئتنا
بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك ، والله لنقتلنك بسهام السحر ـ يعنى الدعاء ـ فسار
المعتصم إلى موضع سامرا فبناها. وهذه الرواية متؤخرة لا يمكن قبولها لأن العمل
الكبير الذى قام به المعتصم من حيث بناء مدينة جديدة يتخذها حاضرة لدولته لا يمكن
القيام به خوفا من دعاء شيخ وإنما المعقول أن المعتصم رأى بنفسه بذور فتنة تؤدى
إلى إضطراب أمور دولته وانقسام جيشه ، وكان يعرف ويدرك جيدا قوة بأس جنده الترك
وتهورهم ، بدليل ما ذكره الطبرى من أن المعتصم شكى إلى نديمه إسحاق الموصلى من
مغبة أصطناعه للترك .
وصفوة القول أن
عناصر السكان فى بغداد كانت تتكون ـ كما رأينا ـ من العرب والفرس والترك ، وأنهكت
العناصر العربية والفارسية قواها بالصراع الذى دار بينهما حول الاستئثار بالسلطة
والنفوذ ، وظهر الترك أخيرا على مسرح الأحداث ، وحلوا محل العرب والفرس. غير أن
أزدياد نفوذهم فى بغداد أدى إلى طغيانهم فنقل المعتصم حاضرة دولته من بغداد إلي
سامرا ، ففقدت بغداد مركز السيادة على العالم الإسلامى ، وتأثرت الحياة الأجتماعية
والأقتصادية فى بغداد نتيجة لذلك ، وزادت نقمة أهل بغداد على الترك ، وتجلى ذلك فى
الأحاديث التى وضعها المحدثون فى ذم الترك تعبيرا عن شعورهم وشعور أهل بلدهم.
وكما أنقسم أهل
بغداد إلى عرب وفرس وترك ، أنقسم المسلمون فيها إلى سنة وشيعة : فأما أهل السنة
فلهم المركز الأول فى بغداد لأن السنة مذهب الدولة الرسمى ، وعاش فى بغداد كبار
أئمة السنة ، وصنفوا فيها المصنفات القيمة ، مثل أبى حنيفة النعمان وأبى يوسف
وأحمد بن حنبل.
أما الشيعة فى
بغداد فعلى الرغم من أن الخلفاء العباسيين كانوا فى عداء مع العلويين ـ حتى لا
يكاد يخلو عهد خليفة منهم من غير أن يثور عليه أحد الشيعة
__________________