صاحب السيرة (١) وأخذ أصحاب الزهرى عن ابن إسحاق روايته فى الأحاديث التى رواها الزهرى ، وشكوا فى صحتها ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يأخذ برواية ابن إسحاق.
ومن العلوم التى ازدهرت فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، علم الكلام ، وهو يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة والمنحرفين فى الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ، وأساس هذه العقائد الإيمانية يكمن فى التوحيد ، ويقدم فى برهان عقلى (١) ، وكان أهل الحديث يرون أن مناقشات المتكلمين وآرائهم بدعة ، لأن الإيمان عندهم هو الطاعة ، وقد غلاخصوم المتكلمين ، فرموهم بالزندقة ، وقالوا : علماء الكلام زنادقة ، والحق أن مناقشات المتكلمين أنعشت الحياة الثقافية فى بغداد ، ولكن ظهرت مشكلة ـ كما سنرى ـ أثارت جدلا كبيرا بين المتكلمين وأهل الحديث وهى مسألة القول بخلق القرآن ، هل هو مخلوق أو قديم؟ لذلك كانت أهمية المتكلمين هو الرد على أهل البدع والضلالات ، فدونوا الأدلة العقلية دفاعا عن الدين (٢).
لاقى المتكلمون ـ وقوامهم المعتزلة ـ معارضة شديدة فى بغداد ، لأنهم آمنوا بسلطان العقل وتحكيمه فى كل الأمور ، وقد استخدموا ما توصلوا إليه من تقدم علمى ـ خصوصا فى الفلسفة والمنطق ـ فى آرائهم الدينية ، وهاجموا أهل السنة بشدة وضراوة ، وأثاروا مسائل كبيرة فى الإلهيات والطبيعيات والسياسات ، وكان لهم مقدرة كبيرة على الجدال والإقناع والحوار بمهارة فائقة.
أضعف من شأن المتكلمين فى العصر العباسى الأول فى بغداد ، معارضة الخلفاء العباسيين الأوائل للاعتزال ، فكان عمرو بن عبيد من أبرز المعتزلة فى عهد المنصور ، ينجنب المنصور ، لأنه يدرك مدى معارضته المعتزلة (٣).
كذلك كره الرشيد المعتزلة ، فلما أدرك أن الشاعر العتابى من المعتزلة ، عظم
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٨.
(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٨.
(٢) أحمد أمين ، ضحى الإسلام ج ٣ ص ٨٩ ـ ٩٠.
(٣) ابن قتيبة : عيون الأخبار ج ٢ ص ٢٣٧.