الحقيقة.
أما العلوم
النقلية فهى مستندة إلى الخير عن الوضع الشرعى ولا مجال فيها للعقل إلا بإلحاق
الفروع من مسائلها بالأصول .
لذلك ظهر فى هذا
العصر نوعان من العلماء ، الأول يغلب على ثقافتهم النقل والإستيعاب ، ويسمون أهل
علم ، والثانى هم الذين يغلب على ثقافتهم الإبتداع والاستنباط ، ويسمون أهل حكمة ،
والعرب لم يدونوا علوم الدين ، وجرى الأمر كذلك على يد الصحابة والتابعين ، فكان
الذى يتحمل نقل الشريعة القراء أى قراء كتاب الله سبحانه وتعالى والسنة المأثورة ،
لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث ، الذى هو فى الغالب تفسير
وشرح له ، ثم احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتدوين الحديث مخافة ضياعه ، واحتيج
إلى معرفة الأسانيد وللتأكد من صحتها ، ثم احتيج إلى استنباط الأحكام من القرآن
والسنة ، يضاف إلى ذلك فساد اللسان ، فظهرت الحاجة إلى وضع القوانين النحوية ،
وصارت العلوم الشريعة كلها مادة للإستنباط والإستخرج والقياس والتنطير ، ولذلك كان لا بد من تدوين العلوم الدينية والعربية وتم
تدوين العلوم فى مستهل العصر العباسى فى كتب تداولها الناس.
والورق الذى
استعمل فى الكتابة فى بغداد ، البردى ، وكان فى بغداد درب يسمى القراطيس ، وكان
هذا الورق يجلب من مصر ، وفى بغداد كميات هائلة منه ، فيحدثنا الجهشيارى أن المنصور وقف على كثرة القراطيس فى خزانته فدعا أحد
أعوانه وقال له : إنى أمرت بإخراج حاصل القراطيس فى خزائننا ، فوجدته شيئا كثيرا
جدا ، فتولى بيعه ، وأن لم تعطى بكل دينار إلا دائقا ، فإن تحصيل ثمنه أصلح منه ،
وكان الطومار فى ذلك الوقت بدرهم.
ولكن المنصور عاد
فتدارك ما قد ينجم عن ذلك ، فدعا الرجال وقال له :
__________________