وَقَضْباً ، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ، وَحَدائِقَ غُلْباً ، وَفاكِهَةً وَأَبًّا ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ، فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).
هذه السورة مكية. وسبب نزولها مجيء ابن أم مكتوم إليه ، صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكر أهل الحديث وأهل التفسير قصته. ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (١) ، ذكر في هذه من ينفعه الإنذار ومن لم ينفعه الإنذار ، وهم الذين كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يناجيهم في أمر الإسلام : عتبة بن ربيعة وأبو جهل وأبي وأمية ، ويدعوهم إليه.
(أَنْ جاءَهُ) : مفعول من أجله ، أي لأن جاءه ، ويتعلق بتولي على مختار البصريين في الأعمال ، وبعبس على مختار أهل الكوفة. وقرأ الجمهور ؛ (عَبَسَ) مخففا ، (أَنْ) بهمزة واحدة ؛ وزيد بن علي : بشد الباء ؛ وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى : أآن بهمزة ومدة بعدها ؛ وبعض القراء : بهمزتين محققتين ، والهمزة في هاتين القراءتين للاستفهام ، وفيهما يقف على تولى. والمعنى : ألأن جاءه كاد كذا. وجاء بضمير الغائب في (عَبَسَ وَتَوَلَّى) إجلالا له عليه الصلاة والسلام ، ولطفا به أن يخاطبه لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى. وجاء لفظ (الْأَعْمى) إشعارا بما يناسب من الرفق به والصغو لما يقصده ، ولابن عطية هنا كلام أضربت عنه صفحا. والضمير في (لَعَلَّهُ) عائد على (الْأَعْمى) ، أي يتطهر بما يتلقن من العلم ، أو (يَذَّكَّرُ) : أي يتعظ ، (فَتَنْفَعَهُ) ذكراك ، أي موعظتك. والظاهر مصب (يُدْرِيكَ) على جملة الترجي ، فالمعنى : لا تدري ما هو مترجى منه من تزك أو تذكر. وقيل : المعنى وما يطلعك على أمره وعقبى حاله.
ثم ابتدأ القول : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) : أي تنمو بركته ويتطهر لله. وقال الزمخشري : وقيل : الضمير في (لَعَلَّهُ) للكافر ، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام. أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق ، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. انتهى. وهذا قول ينزه عنه حمل القرآن عليه. وقرأ الجمهور : (أَوْ يَذَّكَّرُ) بشد الذال والكاف ، وأصله يتذكر فأدغم ؛ والأعرج وعاصم في رواية : أو يذكر ، بسكون الذال وضم الكاف. وقرأ الجمهور :
__________________
(١) سورة النازعات : ٧٩ / ٤٥.