تعالى : ولو لا كراهة أن يهلكوا أناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين لهم ، فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة ، ما كف أيديكم عنهم ؛ وحذف جواب لو لا لدلالة الكلام عليه. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون : (لَوْ تَزَيَّلُوا) ، كالتكرير للولا رجال مؤمنون ، لمرجعهما إلى معنى واحد ، ويكون : (لَعَذَّبْنَا) ، هو الجواب. انتهى. وقوله : لمرجعهما إلى معنى واحد ليس بصحيح ، لأن ما تعلق به لو لا الأولى غير ما تعلق به الثانية : فالمعنى في الأولى : ولو لا وطء قوم مؤمنين ، والمعنى في الثانية : لو تميزوا من الكفار ؛ وهذا معنى مغاير للأول مغايرة ظاهرة. و (أَنْ تَطَؤُهُمْ) : بدل اشتمال من رجال وما بعده. وقيل : بدل من الضمير في (تَعْلَمُوهُمْ) ، أي لم تعلموا وطأتهم ، أي أنه وطء مؤمنين. وهذا فيه بعد. والوطء : الدوس ، وعبر به عن الإهلاك بالسيف وغيره. قال الشاعر :
ووطئتنا وطأ على حنق |
|
وطء المقيد ثابت الهرم |
وفي الحديث : «اللهم اشدد وطأتك على مضر». و (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) : صفة لرجال ونساء غلب فيها المذكر ؛ والمعنى : لم تعرفوا أعيانهم وأنهم مؤمنون. وقال ابن زيد : المعرة : المأثم. وقال ابن إسحاق : الدية. وقال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب. وقال الطبري : هي الكفارة. وقال القاضي منذر بن سعيد : المعرة : أن يعنفهم الكفار ، ويقولون قتلوا أهل دينهم. وقيل : الملامة وتألم النفس منه في باقي الزمن. ولفق الزمخشري من هذه الأقوال سؤالا وجوابا على عادته في تلفق كلامه من أقوالهم وإيهامه أنها سؤالات وأجوبة له فقال : فإن قلت : أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون؟ قلت : يصيبهم وجوب الدية والكفارة ، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم ما فعلوا بنا من غير تمييز ، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير. انتهى.
(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : أخبار عن الصحابة وعن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والامتناع من التعدي حتى أنهم لو أصابوا من ذلك أحدا لكان من غير قصد ، كقول النملة عن جند سليمان : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ*) (١). وبغير علم متعلق بأن تطؤهم. وقيل : متعلق بقوله : (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) من الذين بعدكم ممن يعتب عليكم. وقرأ الجمهور : لو تزيلوا ؛ وابن أبي عبلة ، وابن مقسم ، وأبو حيوة ، وابن عون : لو تزايلوا ، على وزن تفاعلوا ،
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٨.