يعظّم إلّا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه ، والعلم بعد الجهل؟! كلّا ، كلّ ذلك يؤيّد أنّ المراد من البداء في كلمات هؤلاء العظام غير ما يفهمه المعترضون ، بل مرادهم من البداء ليس إلّا أنّ الإنسان قادر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والطالحة (١) وأنّ لله سبحانه تقديراً مشترطاً موقوفاً ، وتقديراً مطلقاً ، والإنسان إنّما يتمكّن من التأثير في التقدير المشترط ، وهذا بعينه قدر إلهي ، والله سبحانه عالم في الأزل ، بكلا القسمين كما هو عالم بوقوع الشرط ، أعني : الأعمال الإنسانية المؤثّرة في تغيير مصيره وعدم وقوعه.
قال الشيخ المفيد :
قد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغيّر الحال فيه ، قال الله تعالى :
(ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ). (٢) فتبيّن أنّ الآجال على ضربين ، وضرب منهما مشترط يصحّ فيه الزيادة والنقصان ، ألا ترى قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ). (٣) وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٤).
__________________
(١) سيوافيك انّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله ـ حسب ما رواه البخاري ـ استعمل لفظ البداء في نفس ذاك المعنى الّذي تتبنّاه الإمامية.
(٢) الأنعام : ٢.
(٣) فاطر : ١١.
(٤) الأعراف : ٩٦.