الممتلكات التي تعود للغير. ولذلك يصبح وجود هذه الفضائل شيئا نادرا نسبيّا. ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الصدق وطهارة الذمة. فإن الرجل الذي لا يهمه نوع الوسيلة التي يحصل بها على الغنى لا يعبأ إلا قليلا بالوعود والمواثيق. وعلى هذا ليس هناك أكثر شيوعا بين الأعراب من الخيانة ونكث العهود. وبذلك تصبح رابطة «الخبز والملح» المقدسة شكلا أجوف يمكن تحاشية بسهولة. فالعهد الذي يعطيه شيخ من الشيوخ يضرب به عرض الحائط حينما يتفق ذلك مع مصلحته هو ، في شخص أخيه أو عمه الذي يعلن استقلاله عن الغير وحقه في السلب والنهب. حتى أننا كثيرا ما نسمع أن المضيف منهم يقوم بواجب الضيافة تجاه المسافرين باعتبارهم من ضيوفه ، ويوصلهم سالمين إلى نقطة متفق عليها ، ثم يتصدى لهم بنفسه فيسلبهم ويجردهم من كل ما يملكون (١).
__________________
(١) يلاحظ القارىء أن لجهة صاحب الرحلة هذه فيها تحامل غير قليل على العرب وخاصة في هذه الرسالة التي يعني بها أعراب البادية. فهو يتسرع في أحكامه ويصمهم بالخيانة ونكث العهود والجبن ، وبالسلب والنهب والوحشية وغير ذلك. إن هذا ناتج عن الصعوبات والمشاق التي كان يلاقيها هو وأمثاله السياح في ذلك الوقت أثناء تنقلهم من دون روية أحيانا ، وخاصة من اللصوص وقطاع الطرق الذين كان من الممكن أن يصادفهم المسافر في طريقه في أنحاء كثيرة من العالم ، وحتى في أوربا يومذاك. والذي يؤاخذ عليه في هذا الشان أنه يصدر أحكاما عامة مغلوطة من دون أن يستند فيها إلا على حوادث فردية وظروف خاصة لا يمكن أن يقاس بموجبها سلوك قوم أو أمة بأجمعها. يضاف إلى ذلك أنه يبني أحكامه هذه على قصص يسمعها من بعض الناس أو تروى له من أناس مغرضين لا يمكن الآخذ بكلامهم. فإنه مثلا يحكم على جبن العرب حينما تفر شرذمة من العشائر غير مسلحة إلا بالأسلحة البدائية أمام السلاح الحديث الذي تقابلهم به قوة نظامية يستصحبها معه المقيم البريطاني في زورقه الذي كان يسافر فيه عن طريق دجلة. ويحكم عليهم بالبخل حينما يتصدى له قطاع الطرق في البادية لأخذ الخوّة التي كانت تعتبر شيئا متعارفا تعترف به حتى الحكومات في تلك الأيام. وبوسعنا أن نبرهن له على وفاء العرب وكرمهم وشجاعتهم وعزة نفسهم وإكرامهم للضيف ـ