وكان المسند والأفرشة التي جلسنا علينا مغطى بقماش من الحرير القرمزي.
وكان الباشا ، على ما ذكرت ، رجلا بدينا فيه شيء كثير من سحنة التتر ، ولكن بشكل مقبول. وقد تحدث إليّ كثيرا ، رادا على فارسيتي باللغة التركية. فكان حديثه على وجه العموم شيقا بالنسبة لمقام الباشوية الذي يشغله. غير أن المجلس كان فيه عدد كبير من الأشخاص لا يسمح للباشا بأن يفتح لي قبله بحضورهم ، كما كان من المؤمل أن يفعل لو كان لوحده على ما روي لي عنه. فقد كانت الغرفة ملأى بأناس كانوا يرتدون ملابس تركية وعربية وإيرانية وكردية ، ولم يكن يخلو المجلس من المحدثين والمتكلمين. ولما كانت الفائدة من مثل هذا التحدث قليلة نهضت بأقرب ما كانت تسمح به اللياقة والحشمة ، وبعد أن ترخصت من فخامته ذهبت لزيارة الكهية الذي كان يجلس في غرفة مظلمة تقع في ممر يبدو على درجة كبيرة من الكآبة. وفي مثل هذه الدهاليز المظلمة من سرايات الأمراء والباشوات تقترف حوادث القتل والاغتيال الكثيرة عادة. فإن الضحية المسكينة التي يراد الإجهاز عليها ما إن يمر منها وهو خلي البال مما يهدد سلامته حتى يجد نفسه وقد لفّ شال حول عنقه من الخلف قبل أن يصرخ بكلمة «الله» ، أو يخرج إليه من باب جانبي ألباني جلواز فيفرغ النار من قربينة (بندقية صغيرة) في بطنه ، أو يطلق خرطوشة مسدس في دماغه ، فينتهي أمره وسرعان ما يشاهد جذعه الخالي من الرأس معروضا في «الميدان». وقد حدث شيء من هذا القبيل قبل مدة قصيرة في هذا الممر بالذات ، على ما روي لي ، على أني اجتزته سالما والحمد لله فوجدت الكهية ، الذي كان على رأس الجيش المنكسر (١) جالسا في زاويته وبالقرب منه عقيد في الجيش النظامي ، وضابط من ضباط الخيالة الألبانيين ، وعدد من أناس غير معروفين ، مسطرين في جوانب الغرفة الثلاثة وقد جاءوا يهنئونه على
__________________
(١) المنكسر في اشتباكه مع عنزة في جانب الكرخ ، كما مر في الرسالة السابقة. وكان علي رضا باشا قد عين في منصب الكهية وكالة ، بعد أن قضى على المماليك ، الحاج يوسف أغا من وجهاء حلب الذين رافقوه في الحملة. ومع ذلك عين لهذا المنصب أصالة الحاج محمد أسعد أفندي آل النائب ، والأرجح أنه هو المقصود بهذه النبذة.