يدّعي أبو عبيدة أن هذه الوضيعة وضعت منذ بداية فتوح خراسان بسبب قلة النقود ، وأنها استمرت إلى زمن يزيد بن معاوية فصيّره مالا. غير أن قوائم جباية خراسان التي وصلتنا تظهر أن هذه الوضيعة كانت قائمة في زمن العباسيين الأوائل ، ففي قائمة موارد الدولة التي أعدها أبو الوزير عمر بن المطرف لهارون الرشيد كان مما ترسله خراسان إلى مركز الخلافة ببغداد وصائف.
وذكر الجاحظ أن المأمون عرض جنده وكان للأتراك تميّز في ثباتهم على ظهور خيلهم فأعجب بهم وقال «أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطفاهم» (١).
وذكر المسعودي فقال : «وكان المعتصم يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم ، فاجتمع له منهم أربعة آلاف ، فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة ، وأبانهم عن سائر جنوده».
وذكر اليعقوبي أن المعتصم لما قدم بغداد منصرفه من طرس سنة ٢١٨ ، كان معه خلق من الأتراك ، وهم يومئذ عجم : «أعلمني جعفر الحشكي كان المعتصم يوجّه بي في أيام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد في شراء الأتراك ، فكنت أقدم عليه في كل سنة منهم بجماعة ، فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام. فلما أفضت إليه الخلافة ألحّ في طلبهم واشترى من كان ببغداد من رقيق الناس ، كان ممن اشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس وكان مملوكا لنعيم بن خازم أبي هارون بن نعيم ، وإيتاخ وكان مملوكا لسلام بن الأبرش ، ووصيف كان زرّادا مملوكا لآل النعمان ، وسيما الدمشقي وكان مملوكا لذي الرئاستين الفضل بن سهل (٢)».
يتبين من كلام الجاحظ واليعقوبي أن المعتصم أخذ يجمع الأتراك منذ زمن خلافة المأمون ، وأنهم كانوا له رقيقا اشترى بعضهم من بغداد ، وكان نوح بن
__________________
(١) مناقب الأتراك ٦٢.
(٢) البلدان لليعقوبي ٢٥٥.