سعيد ، أميرهم يسمى فحل الخليل ، وإقامتهم بالزور ، شرقي حلب نحو ثلاثة أيام على ضفة (١) الفرات ، وهم عرب أيضا ولكنهم لا يرحلون إلا مراحل صغيرة ، ويشربون دائما من ماء نهر الفرات. وهم اليوم صحبة مع الدريعي ومهنا وكل العربان ، لا يعترض لهم أحد بالطريق ولا يأخذ منهم شيئا. ففرحنا بذلك وسلمنا عليه مرة ثانية ، حسب عوايد العرب ، وسألناه عن اسمه فقال : جاسم الحمد. فقلنا له : أتقدر يا جاسم أن تأخذنا؟ قال : نعم ، إن شاء الله آخذكم سالمين غانمين إلى بيت الدريعي ابن شعلان ، ومعي ربع (يعني رفقاء) يحملونكم ، لأن معنا جمالا جلبنا عليها سمنا وبعناه بالشام. فاطمأن فكرنا بالأكثر إذ معهم جمال ودراهم ثمن السمن ، وهم أصحاب تجارة. فربطنا معهم رباطا متينا ، وتم الاعتماد على أن نتوجه بعد ثلاثة أيام على باب الله الكريم. فدبرنا أمورنا وأخذنا لوازمنا ونمنا في الليلة الثالثة عندهم بالخان ، ومشينا مع الصبح. فركب كل واحد منا حمارا ، وسرنا على الطريق الذي جئنا منه للشام ، حيث أن مرادنا أن ندخل (٢) القريتين ونأخذ الرزق الذي تركناه أمانة عند الخوري موسى. فوصلنا بالسلامة إلى القريتين ، وبكل راحة ، من غير أن يحصل لنا كدر بنوع من الأنواع. وكنا فرحين جدا بهذا التوفيق. ولكن ثاني يوم من وصولنا جاءنا خبر أن الدريعي (رد النقا) على بني سعيد ، أي عرب جاسم الذي نحن معه ، ومعنى ذلك أنه أشهر الحرب عليهم وعاداهم. فحين بلغ هذا الخبر جاسما ورفقاءه رجت قلوبهم ، وخافوا جدا على أرواحهم وجمالهم ورزقهم ، وحالا قرّروا على الذهاب إلى صدد ، ومن هناك إلى حمص وحلب ثم إلى الزور عند أهلهم ، متبعين الطريق الذاهب من حلب لأنه أكثر أمانا لهم. فغمنا جدا هذا الخبر وصعب الأمر علينا ولم يبق لنا رأي نعتمد عليه. وسافر رفقاؤنا في اليوم الثاني ، وبقينا نحن في القريتين ، لا نعرف ما ذا نفعل ، إذ لا نجد لنا باب فرج يوصلنا إلى مطلوبنا. فاسودت الدنيا بعين الشيخ إبراهيم وفقد شهية الطعام. وداق علينا الحال جدا ، وابتدأت الأخبار تتوارد علينا ، وعلمنا منها أن العربان انقسمت إلى قسمين : أناس مع مهنا وأناس مع الدريعي ، وابتدأت الغارات بينهم والمعارك والركض على بعضهم ، وبلغنا أن الدريعي أغار على ٢ / ٣١ بني سعيد وأخذ منها / مكاسب جزيلة.
ولم نزل جالسين في القرية أثني عشر يوما حتى كادت تخرج أرواحنا من كدرنا وعدم
__________________
(١) في المخطوطة : جفت.
(٢) «نفوت على القريتين».