فبعد قليل من الزمن إذ حضر هلال ومعه جمّالان وإثنان من البدو غيره ، حتى يحملونا عندهم. فلزم أن أجد حالا مكانا للجمال وأدخلت العرب الدير. فترحبنا بهم وعملنا لهم إكراما زائدا وأخبرونا أن أهلهم ، من قبيلة ولد علي ، نازلون على ماء المزيريب (١) وأنهم بعيدون عن دمشق (٢) نحو ثلاثة أيام. فبعد يومين دبرنا شغلنا وطلعنا من دمشق (٣) في ١٥ آذار ١٨١١ ، وكان صار لنا سنة وثمانية وعشرون يوما (٤) منذ مغادرتنا حلب. فذهبنا مع العرب ونمنا ليلتين بالبرية من غير مأوى ، وهو طريق معروف من دمشق إلى المزيريب (٥). وفي اليوم الثالث وصلنا عند العرب ، فوجدنا نزلا عظيما نحو ألف بيت ١ / ٢٨ بمواشي وخيل عظيمة ، فنزلنا في بيت / دوخي بن سمير. فعمل لنا إكراما زائدا وذبح لنا ذبيحة ، حيث كان صار بيننا معرفة ، من يوم الذي جاء إلى بيت مهنا ، لأجل مادة ناصر. وهو رجل عظيم عاقل مدبر يومى إليه ، محبوب من عربان قبيلته التي تعد نحو خمسة آلاف بيت ، وعليهم رؤوساء من أقربائهم ، وكذلك القبائل الثلاث الأخرى وهي بني صخر والسّرحان والسّرديّة ، فهم أحبابه ومعه في كل أمر يريده ، وطمعهم قليل ليس مثل قبيلة مهنا ، رزقهم كثير وخيلهم عظام مشهورة بالصيت (٦).
وفي الليلة التي وصلنا فيها كنا نتحدث بسيرة الخيل وحسنها ، فحكى لنا الأمير دوخي نكتة حدثت في قبيلته ، وكان هو وقتئذ ولدا ، فقال : إن واحدا من البدو يقال له جبل كان عنده فرس عظيمة جدا لها صيت زائع عند العرب والحضر : فسمع بها وزير الشام يقال له أسعد باشا من بيت العظم ، فأرسل طلبها من صاحبها بثمنها. فما رضي ببيعها لأن فرس البدوي أغلى عنده من امرأته وأولاده (٧). فأرسل هدده بالكلام فما صار فائدة. فعجز الوزير عن ذلك ومن بعد ما عمل كافة الوسائل ما حصل عليها ، والدعوى صارت مسموعة عند كل الناس. واغتم الوزير جدا لأنه لا يستطيع أخذها قهرا ، ولا يرضى البدوي أن يعطيها بثمنها بل أكثر. فجاء بدوي عند الوزير يقال له جعيفر وقال له : يا سيدي ماذا تعطيني إذا
__________________
(١) «المذاريب».
(٢) «الشام».
(٣) «الشام».
(٤) على الصحيح : سنة وخمسة وعشرون يوما ، لأن الصايغ غادر حلب بتاريخ ١٨ شباط ١٨١٠.
(٥) «المذاريب».
(٦) «بالسيط».
(٧) بالأصل : «فأرسل طلبها من صاحبها بحقها ، فما عطاها لأن البدوي فراسه عنده أغلا من مرته وأولاده».