يليق بنا وبك أن نجتهد في سبيل واحد ، ولم نجئك إلا بنية المعاهدة الوثيقة ، فقابلتنا أولا بكلام ناقص في عرضنا ، فعاتبك الدريعي بكلام ناقص بعرضك. وأمّا نيتنا فهي خالصة ، ومما يدل على ذلك أننا جئناك بغير سلاح وسلمنا أنفسنا لذمتك وهمتك.
يقول الحنبلي :
«وإذا جاء أحد عشر رجلا بسلاح ما ذا يصير في الوهابي؟».
فكنت أرى في أثناء مخاطبتي له إنحلال أثر الغم من وجهه شيئا فشيئا. فلما انتهى خطابي قال : مليح ، ثم التفت إلى عبيده وأمر بثلاث قهوات. فشكرت الله في قلبي على إلهامه إياي. وما كان باقي جلوسنا عند الملك إلا معروفا وإكراما ، فانصرفنا بانشراح وانبساط. ثم في العشاء دعينا إلى وليمة عظيمة عند أحد الوزراء يقال له الحضرموتي (١). فلما خلونا به حدثنا سرا بقساوة مولاه وظلمه العظيم وكراهية جميع الناس له. وذكر أيضا غناه الوافر ، فإن المال الذي ظفر به عند نهب مكة والمدينة شيء لا يحصى ، لأنه قد كان أمراء المسلمين وملوكهم وخلفاؤهم وسلاطينهم في أوائل الإسلام إلى أيام الوهابي يهدون في كل سنة إلى بيت الله وحرم الرسول هدايا ثمينة من الجواهر والقناديل التي من ذهب وغير ذلك. وزيادة على ما تهديه العامة من عبيد الله. وكان في المدينة كرسي أهداه ملك من ملوك العجم. فهذا الكرسي وحده لا تثمن قيمته ، فإنه كان من ذهب صب ، وفيه لآليء وألماس. وكان كل أمير يرسل تاجا من ذهب مفضضا بالجواهر ، يعلق في سقف الحجرة بمقام الرسول. وعندما سلبها الوهابي كان عدد التيجان أكثر من أن يحصى. وكان على قبر النبي جوهرة حمراء لا تعلم قيمتها (٢). وإذ افتكرت فيما حازت الأعصر من المال على هاتين البقعتين لا تتعجب من أن الملك الظالم ساق برجوعه أربعين جملا محملة بمجرد الجواهر ، زيادة على خالص النقدين. وإذا
__________________
(١) في المخطوطة : «من رجال ديوان الوهابي».
(٢) يعلمنا السائح بوركهارت الذي كان اعتنق الإسلام وزار مكة والمدينة سنة ١٨١٤ أن سعودا عندما فتح المدينة المنورة نهب مال الحجرة. ومن جملة الجواهر النادرة التي أخذها «نجمة رائعة مرصعة بالماس ، كانت معلقة على قبر النبي ، وكثيرا ما يتحدث العرب عن هذه الجوهرة وهم يسمونها الكوكب الدري». (رحلة إلى الجزيرة العربية ، ج ٢ ، ص ٦٢ من الترجمة الفرنسية). ويذكر مانجان أن عبد الله بن سعود ، عند مقابلته مع محمد علي ، كان يحمل صندوقا صغيرا من العاج ، فيه ثلاث مخطوطات فاخرة للقرآن الكريم جلدها مرصع بالياقوت ، وثلاث مئة لؤلؤة كبيرة الحجم وزمردة معلقة بسلسلة من الذهب ، وكل ذلك مما أخذه سعود من الحجرة (مانجان ، ج ٢ ، ص ١٤٠).