يخرجه (١) فإنه يتسع ، وإن أقام أربعا وعشرين ساعة يسد الأذن ويطرش الإنسان. فالعربان كانوا يعرفون ذلك الحيوان فنبهوا كل من ينام أن يسد أذنيه. ولكن الشيخ إبراهيم استهتر بذلك ولم يصدق. فدخلت واحدة من [تلك الحشرات] في أذنه وأحس بها ، فحصل تعب عظيم حتى أخرجناها بالملاقيط و () (٢) ، حتى خرج الدم من أذنه وتعذب كثيرا إلى أن طلعت.
فثاني يوم رحلنا حالا إلى المساء ونزلنا أيضا من غير نصب بيوت لأن الماء أوشكت أن تخلص ، وعند الصباح لم يبق عندنا ماء كليا. وفي اليوم التالي كان رأي الدريعي أن ينبه على العربان أن يرسل كل بيت جملا وراويتين يملأهما ماء ، من مكان بعيد عنا ست ساعات إلى ناحية الشمال ، يقال له ـ (٣) ، به جباب ماء. فقال الشيخ ابراهيم أن رأيه ، قبل أن يذهب الناس لأجل جلب الماء ، أن يحفروا هنا لعل تخرج المياه. فما قنع أحد بذلك. أما الشيخ إبراهيم فإنه بنى استناده [على المشاهدة] ، إذ تبين له أن كل أرض التي يكون فيها ٢ / ٩٩ عشب أخضر ، أو فيها عشب كوم متجمعة صغار من عشب يقال له الرّوثة (٤) ، / يطلع بها ماء ، لأنه تأكد ذلك من الأماكن التي حفروا بها حفرا وخرج الماء منها مثل منزلة ريخ التي ذكرناها سابقا ، قبل منزلة الخربة ، لأن عشبها كان مثل عشب تلك الأرض (٥) وشكل التراب واحد. ثم قال الدريعي : جربوا ، لعل في الشيخ إبراهيم روح نبوة ، لأن العرب ما كانت قط جربت هذا المحل ، فحفروا وبالأمر الذي يريده الله طلعت الماء. ففرح العربان وشكروا للشيخ إبراهيم فضله وفطنته وعقله. وأقمنا بذلك المحل ثلاثة أيام. ولم نزل نرحل وننزل ونمرّ بأراض متعددة الأشكال من صحراء ووعر وجبال وسهل ... (٦) حتى قطعنا بلاد كرمان ووصلنا إلى نهر خرسان ، وهو نهر عظيم غدار كبير ، بمقدار نصف الفرات. إلا أننا أرجعنا كثيرا من القبائل إلى الوراء لأن لا لزوم لحضورها معنا ، فنحن مرادنا التقرب لأجل المكاتبة ، وإذا أمكن المقابلة ، مع الأمير سعد البخاري. ولم نزل نرحل وننزل ونواجه أثناء سيرنا قبائل عرب التي تقيم دائما في طبراق عجم استان ، وتحت تدبير الأمير سعد وأوامره ، في نواحي
__________________
(١) «وما طالعه».
(٢) كلمة غير مقرؤة لأنها مخيطة بجلد المخطوطة.
(٣) كذا في المخطوطة ، أغفل المؤلف ذكر اسم هذا المكان.
(٤) نوع من العشب يستخرج منه أحسن أنواع القلي أو الصودا.
(٥) «كانت من قماش تلك الأرض بالعشب».
(٦) عبارة في الهامش لا يمكن قراءتها لأنها مخيطة في جلد الكتاب.