الجمعية ، وكانت يومئذ لسان حال المستشرقين ، ولم تتناولها بالنقد ، بل أنها لم تذكرها بخير أو شر إلا بعد وفاة الشاعر لا مرتين. ويتضح من رسالة طويلة وجهها المستشرق فولجنس فرينل إلى رئيس الجمعية سنة ١٨٣٨ ، ولكن المجلة الأسيوية لم تنشرها إلا سنة ١٨٧١ ، إنه كان من المسلّمين بصحة هذه الرحلة ، ثم بدّل رأيه بعد أن عرض على ذوي الخبرة من العرب الصفحات التي جاء فيها وصف الدرعية وذكر الإمام الوهابي عبد الله بن سعود. وأصدرت المجلة الأسيوية حكمها الصارم في تقريرها السنوي لعام ١٨٧٢ (ج ٢٠ ، ص ٣٦) جاء فيه : إن هذه الرحلة وليدة الخيال ، كتبها رجل عارف بأحوال البادية.
ولم يتساءل صاحب هذا الكلام كيف تم لبائع من صغار التجار ، يكاد يجهل اللغة العربية الفصحى ، مثل فتح الله الصايغ ، يخشى البادية كما يخشاها كل حضري من سكان المدن ، لا سيما أنه كان نصرانيا ، أن يكون مطلعا أتم الاطلاع على أحوال البدو ، حتى أنه تكلم عن عادة دفن الحصى أو دفن الذنوب ، يكاد يجهلها حتى المختصون بدراسة البادية ، ولكن ذكرها قبله شهاب الدين العمري المتوفى سنة ٧٤٩ ه / ١٣٤٨ م ، في كتابه : «التعريف بالمصطلح الشريف» (١) ، فأنّى له هذه المعرفة الدقيقة بقبائلها وتقاليدها ، إن لم يكن عاش معها ردحا من الزمن. أما الأخطاء التي نددت بها المجلة الأسيوية ، مما حملها على الشك في رحلة الصايغ إلى الدرعية ، فإن صاحبنا بريء منها كبراءة الذئب من دم يوسف ، لأن المسؤول الأول عنها هو سوء الترجمة ، كما سنبينه بعد حين.
رحلة الصايغ : ما بين الحقيقة والخيال
لقد شك بعض المستشرقين في صحة رحلة الصايغ ونسبوها إلى الخيال ، لأنهم اطلعوا عليها من خلال ترجمة خاطئة. ونحن نميل إلى تصديق الصايغ ، وننظر إلى مذكراته نظرنا إلى جزء من التراث السوري العربي ، على الرغم من أخطائه التاريخية ومبالغاته الكثيرة ، لأن في وصفه دقة شاهد العيان ولأن ما كتبه يتماشى مع الواقع التاريخي.
__________________
(١) انظر الهامش رقم ١٨.