عذره ، وتغيّر عليه وعزم على الدّخول إلى الديار المصريّة (١).
فسمع الملك النّاصر ، فجمع أباه نجم الدّين وخاله شهاب الدّين ، وتقيّ الدّين عمر ، وغيرهم من الأمراء ، وأعلمهم ما بلغه من حركة نور الدّين واستشارهم ، فلم يجبه أحد ، فقام تقيّ الدّين ، وقال : «إذا جاءنا قاتلناه» ووافقه غيره من أهله ، فشتمهم نجم الدّين أيّوب والد الملك النّاصر ، وأقعد تقيّ الدّين ، وقال للملك النّاصر : «أنا أبوك ، وهذا شهاب الدّين خالك ، ونحن أكثر محبّة لك من جميع من ترى ؛ وو الله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدّين لم يمكننا إلّا أن نقبّل الأرض بين يديه ، ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسّيف لفعلنا ، فإذا كنّا نحن هكذا ، فما ظنّك بغيرنا ، وكلّ من نراه عندك ، فهو كذلك ، وهذه البلاد لنور الدّين ، ونحن مماليكه ونوّابه فيها ، فان أراد عزلك سمعنا وأطعنا ، والرّأي أن تكتب كتابا مع نجّاب وتقول له : بلغني أنّك تريد الحركة لأجل البلاد ، ولا حاجة إلى ذلك بل يرسل المولى نجّابا يضع في رقبتي منديلا ، ويأخذني إليك». وتفرّقوا.
فلمّا خلا نجم الدّين أيّوب بالملك النّاصر ، قال له : «كيف فعلت مثل هذا؟ أما تعلم أنّ نور الدّين إذا سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهمّ الوجوه إليه ، وحينئذ لا نقوى به ، وأمّا إذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا ؛ والأقدار بيد الله ، وو الله لو أراد نور الدّين قصبة من قصب السّكّر
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٩٤٨ ـ ٩٥٣.