وتحدّث عنها رسول الله صلىاللهعليهوآله مرّات متعدّدة وفي مناسبات مختلفة، وأكّد على أهمّيّتها، وما فارق صلىاللهعليهوآله الحياة إلّا بعد أنّ عيّن ـ بأمر الله تعالى ـ خليفة لنفسه يقوم مقامه، يحامي عن الدّين، ويدير شؤون المسلمين، ونشر الإسلام ويطبّق أحكام القرآن، والقول بأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله فارق الحياة ولم يوصِ ولم يعيّن خليفة لدينه ولنفسه قول باطل، لأنّ الأنبياء بأسرهم نصبوا أوصياء؛ فقد أوصى آدم لهبة الله، ونوح لسام، وإبراهيم لإسماعيل وإسحاق، وموسى لهارون، ويحيى لعيسى ابن خالته، ولمحمّد صلىاللهعليهوآله أيضاً وصيّ وبالاتّفاق هو عليّ بن أبي طالب ـ عند جميع المسلمين ـ وهو الذي غسّله وكفّنه ودفنه وقام على عياله وقضى ديونه وأنجز عداته.١
بناء على هذا، فلا يمكن أن يفارق النّبيُّ صلىاللهعليهوآله الحياة من دون أن يوصي في أمر الخلافة إلى أحد، ولا يصحّ أن يوجِبَ حكماً شرعيّاً على الأُمّة ثمّ يتركه بنفسه ويدخل تحت قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)٢؟ كما قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)٣.
وقال صلىاللهعليهوآله : مَن مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة.٤ وكان النّبيّ صلىاللهعليهوآله : وصّى أمّته بأنّه ينبغي أن لا ينام الرجل إلّا ووصيّته تحت وسادته.٥
ولا تختصّ الوصيّة بالأموال والدّيون وما شابهها، بل تشمل الأمور الدينيّة
_______________________
١ ـ نهج الإيمان ٢٥٩.
٢ ـ البقرة / ٤٤.
٣ ـ البقرة / ١٨٠.
٤ ـ مشكاة الأنوار ٣٣٥؛ وسائل الشيعة ١٣ / ٣٥٢؛ ومؤدّاه في العمّال ١٦ / ٦١٩.
٥ ـ سنن الدارميّ ٤٠٢؛ بحار الأنوار ١٠٣ / ١٩٤؛ والأحاديث في هذه المجال كثيرة من طرق علماء الشيعة والسنّة.