مواعدة منسوخة بآية السيف ، ولا نحتاج إلى معرفة تاريخ النزول ، وإذا نظرت إلى سبب نزول هذه الآيات ، وهو وفود وفد نجران ، فيكون المعنى : فإنما عليك البلاغ بقتال وغيره.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ). وفيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإسلام ، ووعد بالخير لمن أسلم ، إذ معناه : إن الله مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) الآية هي في اليهود والنصارى ، قاله محمد بن جعفر بن الزبير وغيره ، وصف من تولى عن الإسلام وكفر بثلاث صفات :
إحداهما : كفره بآيات الله وهم مقرون بالصانع ، جعل كفرهم ببعض مثل كفرهم بالجميع ، أو يجعل : بآيات الله ، مخصوصا بما يسبق إليه الفهم من القرآن والرسول صلىاللهعليهوسلم.
الثانية : قتلهم الأنبياء ، وقد تقدّمت كيفية قتلهم في البقرة في قوله (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (١) والألف واللام في : النبيين ، للعهد.
والثالثة : قتل من أمر بالعدل.
فهذه ثلاثة أوصاف بدىء فيها بالأعظم فالأعظم ، وبما هو سبب للآخر : فأولها : الكفر بآيات الله ، وهو أقوى الأسباب في عدم المبالاة بما يقع من الأفعال القبيحة ، وثانيها : قتل من أظهر آيات الله واستدل بها. والثالث : قتل أتباعهم ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وهذه الآية جاءت وعيدا لمن كان في زمانه صلىاللهعليهوسلم ، ولذلك جاءت الصلة بالمستقبل ، ودخلت الفاء في خبر : أن ، لأن الموصول ضمن معنى اسم الشرط ، ولما كانوا على طريقة أسلافهم في ذلك ، نسب إليهم ذلك ، ولأنهم أرادوا قتله صلىاللهعليهوسلم ، فقتل أتباعه ، فأطلق ذلك عليهم مجازا أي : من شأنهم وإرادتهم ذلك. ويحتمل أن تكون الفاء زائدة على مذهب من يرى ذلك ، وتكون هذه الجملة حكاية عن حال ابائهم وما فعلوه في غابر الدهر من هذه الأوصاف القبيحة ، ويكون في ذلك إرذال لمن انتصب لعداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ هم سالكون في ذلك طريقة آبائهم.
والمعنى : إن آباءكم الذين أنتم مستمسكون بدينهم كانوا على الحالة التي أنتم عالمون بها من الاتصاف بهذه الأوصاف ، فينبغي لكم أن تسلكوا غير طريقهم ، فإنهم لم
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦١.