حملا على المعنى. وقيل : انتصب على الذم. ويجوز عندي أن يكون صفة لمن ، ولم يذكروا هذا الوجه. وقيل : هو في موضع رفع على إضمار مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين. وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون بدلا من الضمير في فخورا ، وهو قلق. فهذه ستة أوجه يكون فيها الذين يبخلون متعلقا بما قبله ، ويكون الباخلون منفيا عنهم محبة الله تعالى ، وتكون الآية إذن في المؤمنين ، والمعنى : أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمى الله ، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم وهي : الخيلاء ، والفخر ، والبخل ، والأمر به ، وكتمان ما أعطاهم الله من الرزق والمال. وقيل : الذين يبخلون في موضع رفع على الابتداء ، واختلفوا في الخبر : أهو محذوف؟ أم ملفوظ به؟ فقيل : هو ملفوظ به وهو قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) (١) ويكون الرابط محذوفا تقديره : مثقال ذرة لهم ، أو لا يظلمهم مثقال ذرة. وإلى هذا ذهب الزجاج ، وهو بعيد متكلف لكثرة الفواصل بين المبتدأ والخبر ، ولأن الخبر لا ينتظم مع المبتدأ معناه : انتظاما واضحا لأنّ سياق المبتدأ وما عطف عليه ظاهرا من قوله : والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، لا يناسب أن يخبر عنه بقوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ، بل مساق أنّ الله لا يظلم أن يكون استئناف كلام إخبارا عن عدله وعن فضله تعالى وتقدس. وقيل : هو محذوف فقدره الزمخشري : الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقاء بكل ملامة. وقدره ابن عطية : معذبون أو مجازون ونحوه. وقدره أبو البقاء : أولئك قرناؤهم الشيطان ، وقدره أيضا : مبغضون. ويحتمل أن يكون التقدير : كافرون (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) (٢) فإن كان ما قبل الخبر مما يقتضي كفرا حقيقة كتفسيرهم البخل بأنه بخل بصفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبإظهار نبوّته. والأمر بالبخل لأتباعهم أي : بكتمان ذلك ، وكتمهم ما تضمنته التوراة من نبوّته وشريعته ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين ، حقيقة فإن كان ما قبل الخبر كفر نعمة كتفسيرهم : أنها في المؤمنين ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين كفر نعمة ولكل من هذه التقادير مناسب من الآية ، والآية على هذه التقادير. وقول الزجاج : في الكفار ، ويبين ذلك سبب النزول المتقدم. وتقدم تفسير البخل والأمر به ، والكتمان على هذا الوجه في سبب النزول. وأعتدنا للكافرين : أي أعددنا وهيأنا. والعتيد : الحاضر المهيأ والمهين الذي فيه خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٠.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٣٧.