الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي لما علمنا ضعفكم عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء. قال طاووس : ليس يكون الإنسان أضعف منه في أمر النساء. وقال ابن المسيب : ما أيس الشيطان من بني آدم قط إلا أتاهم من النساء ، فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشق بالأخرى ، وأن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء.
قال الزمخشري : ضعيفا لا يصبر عن الشهوات ، وعلى مشاق الطاعات. قال ابن عطية : ثم بعد هذا المقصد أي : تخفيف الله بإباحة الإماء ، يخرج الآية مخرج التفضل ، لأنها تتناول كل ما خفف الله عن عباده وجعله الدين يسرا ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب. قال الراغب : ووصف الإنسان بأنه خلق ضعيفا ، إنما هو باعتباره بالملأ الأعلى نحو : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) (١) أو باعتباره بنفسه دون ما يعتريه من فيض الله ومعونته ، أو اعتبارا بكثرة حاجاته وافتقار بعضهم إلى بعض ، أو اعتبارا بمبدئه ومنتهاه كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) (٢) فأما إذا اعتبر بعقله وما أعطاه من القوة التي يتمكن بها من خلافة الله في أرضه ويبلغ بها في الآخرة إلى جواره تعالى ، فهو أقوى ما في هذا العالم. ولهذا قال تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣). وقال الحسن : ضعيفا لأنه خلق من ماء مهين. قال الله تعالى : الذي خلقكم من ضعف.
وقرأ ابن عباس ومجاهد : وخلق الإنسان مبنيا للفاعل مسندا إلى ضمير اسم الله ، وانتصاب ضعيفا على الحال. وقيل : انتصب على التمييز. لأنه يجوز أن يقدر بمن ، وهذا ليس بشيء. وقيل : انتصب على إسقاط حرف الجر ، والتقدير : من شيء ضعيف ، أي من طين ، أو من نطفة وعلقة ومضغة. ولما حذف الموصوف والجار انتصبت الصفة بالفعل نفسه. قال ابن عطية : ويصح أن يكون خلق بمعنى جعل ، فيكسبها ذلك قوّة التعدي إلى مفعولين ، فيكون قوله : ضعيفا مفعولا ثانيا انتهى. وهذا هو الذي ذكره من أنّ خلق يتعدى إلى اثنين بجعلها بمعنى جعل ، لا أعلم أحدا من النحويين ذهب إلى ذلك ، بل الذي ذكر الناس أنّ من أقسام جعل أن يكون بمعنى خلق ، فيتعدّى إلى مفعول واحد ، كقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (٤) أما العكس فلم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه ،
__________________
(١) سورة النازعات : ٧٦ / ٢٧.
(٢) سورة الروم : ١٩ / ٥٤.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٠.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١.