أنفع لكم ، فتضعون الأموال على غير حكمة ، ولهذا أتبعه بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) (١) حكما أي عليم بما يصلح لخلقه ، حكيم فيما فرض. قال ابن عطية : وهذا تعريض للحكمة في ذلك ، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورّثون على غير هذه الصفة.
وقيل : تضمنت هذه الجملة النهي عن تمني موت الموروث. وقيل : المعنى في أقرب لكم نفعا الأب بالحفظ والتربية ، أو الأولاد بالطاعة والخدمة والشفقة. وقريب من هذا قول أبي يعلى ، قال : معناه أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع ، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعا ، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء ، والآباء ينتفعون في كبرهم بالأبناء. وقال الزمخشري معلقا هذه الجملة : بالوصية ، وأنها جاءت ترغيبا فيها وتأكيدا. قال : لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون ، أمن أوصى منهم أم من لم يوص يعني : أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته ، فهو أقرب لكم نفعا ، وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا ، وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابا إلى حقيقة الأمر ، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريبا في الصورة إلا أنه فان ، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى ، وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى انتهى كلامه. وهو خطابه. والوصية في الآية لم يأت ذكرها لمشروعيتها وأحكامها في نفسها ، وإنما جاء ذكرها ليبين أنّ القسمة تكون بعد إخراجها وإخراج الدين ، فليست مما يحدث عنها ، وتفسر هذه الجملة بها. ولكنه لما اختلف حكم الابن والأب في الميراث ، فكان حكم الابن إذا مات الأب عنه وعن أنثى ، أن يرث مثل حظ الأنثيين ، وكان حكم الأبوين إذا مات الابن عنهما وعن ولد أن يرث كل منهما السدس ، وكان يتبادر إلى الذهن أن يكون نصيب الوالد أوفر من نصيب الابن ، إذ ذاك لما له على الولد من الإحسان والتربية من نشئه إلى اكتسابه المال إلى موته ، مع ما أمر به الابن في حياته من بر أبيه. أو يكون نصيبه مثل نصيب ابنه في تلك الحالة إجراء للأصل مجرى الفرع في الإرث ، بين تعالى أنّ قسمته هي القسمة التي اختارها وشرعها ، وأن الآباء والأبناء الذين شرع في ميراثهم ما شرع لا ندري نحن أيهم أقرب نفعا ، بل علم ذلك منوط بعلم الله وحكمته. فالذي شرعه هو الحق لا ما يخطر بعقولنا نحن ، فإذا كان علم ذلك عازبا عنا فلا نخوض فيما لا نعلمه ، إذ هي أوضاع من الشارع لا نعلم نحن عللها ولا
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١١.