كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (١) انتهى. ويجوز أن يكون على حذف مضاف من الأول تقديره : مثل مهلك ما ينفقون. أو من الثاني تقديره : كمثل مهلك ريح. وقيل : يجوز أن تكون ما مصدرية ، أي مثل إنفاقهم ، فيكون قد شبه المعقول بالمحسوس ، إذ شبه الإنفاق بالريح. وظاهر قوله : ينفقون أنه من نفقة المال. وقال السدي : معناه ينفقون من أقوالهم التي يبطنون ضدها. ويضعف هذا أنّها في الكفار الذين يعلنون لا في المنافقين الذين يبطنون. وقيل : متعلق الإنفاق هو أعمالهم من الكفر ونحوه ، هي كالريح التي فيها صر أبطلت أعمالهم كل ما لهم من صلة رحم وتحنث بعتق ، كما يبطل الريح الزرع. قال ابن عطية : وهذا قول حسن ، لو لا بعد الاستعارة في الإنفاق انتهى. وقال الراغب : ومنهم من قال : ما ينفقون عبارة عن أعمالهم كلها ، لكنه خص الإنفاق لكونه أظهروا أكثر انتهى.
وقرأ ابن هرمز والأعرج : تنفقون بالتاء على معنى قل لهم ، وأفرد ريحا لأنّها مختصة بالعذاب ، كما أفردت في قوله : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ) (٢) ولئن أرسلنا ريحا إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا كالريح العقيم. كما أن الجمع مختص بالرحمة أن (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) (٣) (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) (٤) (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) (٥) ولذلك روي : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» وارتفاع صرّ على أنه فاعل بالمجرور قبله ، إذ قد اعتمد بكونه وقع صفة للريح. فإن كان الصر البرد وهو قول : ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، أو صوت لهيب النار أو صوت الريح الشديدة. فظاهر كون ذلك في الريح. وإن كان الصرّ صفة للريح كالصرصر ، فالمعنى فيها قرة صرّ كما تقول : برد بارد ، وحذف الموصوف ، وقامت الصفة مقامه. أو تكون الظرفية مجازا جعل الموصوف ظرفا للصفة. كما قال : وفي الرحمن كاف للضعفاء. وقولهم : إن ضيعني فلان ففي الله كاف. المعنى الرحمن كاف ، والله كاف. وهذا فيه بعد.
وقوله : أصابت حرث قوم في موضع الصفة لريح. بدأ أولا بالوصف بالمجرور ، ثم بالوصف بالجملة. وقوله : ظلموا أنفسهم جملة في موضع الصفة لقوم. وظاهره أنهم ظلموا أنفسهم بمعاصيهم ، فكان الإهلاك أشد إذ كان عقوبة لهم.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧١.
(٢) سورة الأحقاف : ٢٦ / ٢٤.
(٣) سورة الروم : ٣٠ / ٤٦.
(٤) سورة الحجر : ١٥ / ٢٢.
(٥) سورة الأعراف : ٧ / ٥٧.