يعترض جملتان بين طالب ومطلوب ، بل اعترض بين القسم الذي هو : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (١) وجوابه الذي هو : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٢) بجملة واحدة وهي قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٣) لكنه جاء في جملة الاعتراض بين بعض أجزائه وبعض ، اعتراض بجملة وهي قوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ) (٤) اعترض به بين المنعوت الذي هو : لقسم ، وبين نعته الذي هو : عظيم ، فهذا اعتراض في اعتراض ، فليس فصلا بجملتي اعتراض لقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) وسمي من الأفعال التي تتعدى إلى واحد بنفسها ، وإلى آخر بحرف الجر ، ويجوز حذفه ، وإثباته هو الأصل ، يقول : سميت ابني بزيد ، وسميته زيدا. قال :
وسميت كعبا بشر العظام |
|
وكان أبوك يسمى الجعل |
أي : وسميت بكعب ، ويسمى : بالجعل ، وهو باب مقصور على السماع ، وفيه خلاف عن الأخفش الصغير ، وتحرير ذلك في علم النحو.
(وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) أتى خبر : إن ، مضارعا وهو : أعيذها ، لأن مقصودها ديمومة الاستعاذة ، والتكرار بخلاف : وضعتها ، وسميتها ، فإنهما ماضيان قد انقطعا ، وقدّمت ذكر المعاذ به على المعطوف على الضمير للاهتمام به ، ثم استدركت بعد ذلك الذكر ذريتها ، ومناجاتها الله بالخطاب السابق إنما هو وسيلة إلى هذه الاستعاذة ، كما يقدّم الإنسان بين يدي مقصوده ما يستنزل به إحسان من يقصده ، ثم يأتي بعد لك بالمقصود ، وورد في الحديث ، من رواية أبي هريرة : «كل مولولد من بني آدم له طعن من الشيطان ، وبها يستهل الصبي ، إلّا ما كان من مريم ابنة عمران وابنها ، فإن أمّها قالت حين وضعتها : واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب».
وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث من طرق ، والمعنى واحد. وطعن القاضي عبد الجبار في هذا الحديث ، قال : لأنه خبر واحد على خلاف الدليل ، فوجب رده ، وإنما كان على خلاف الدليل لأن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الشر والخير ، والصبي ليس كذلك ، ولأنه لو تمكن من هذا المس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وغير
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٥.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٧.
(٤ ـ ٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٦.