على أي شق ، وقائمة ومضطجعة وغير ذلك من الأحوال ، وذلك في مكان الحرث ، أو : بمعنى متى؟ قاله الضحاك ، فيكون إذ ذاك ظرف زمان. ويكون المعنى : فأتوا حرثكم في أي زمان أردتم.
وقال جماعة من المفسرين : أنّى ، بمعنى أي ، والمعنى على أي صفة شئتم ، فيكون على هذا تخييرا في الخلال والهيئة ، أي : أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ، وقد وقع هذا مفسرا في بعض الأحاديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ذلك لا يبالى به بعد أن يكون في صمام واحد». والصمام رأس القارورة ، ثم استعير. وقالت فرقة : أنّى ، بمعنى : أين؟ فجعلها مكانا ، واستدل بهذا على جواز نكاح المرأة في دبرها ، وممن روي عنه إباحة ذلك : محمد بن المنكدر ، وابن أبي مليكة ، وعبد الله بن عمر ، من الصحابة ، ومالك ، ووقع ذلك في العتبية. وقد روي عن ابن عمر تكفير من فعل ذلك وإنكاره ، وروي عن مالك إنكار ذلك ، وسئل فقيل : يزعمون أنك تبيح إتيان النساء في أدبارهنّ؟ فقال : معاذ الله ، ألم تسمعوا قول الله عزوجل : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وأنّى يكون الحرث إلّا في موضع البذر؟ ونقل مثل هذا عن الشافعي ، وأبي حنيفة ، ونقل جواز ذلك عن : نافع ، وجعفر الصادق ، وهو اختيار المرتضى من أئمة الشيعة ، وذكر في (المنتخب) ما استدل به لهذا المذهب وما ورد به ، فيطالع هناك ، إذ كتابنا هذا ليس موضوعا لذكر دلائل الفقه إلّا بمقدار ما يتعلق بالآية.
وقد روى تحريم ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اثنا عشر صحابيا بألفاظ مختلفة كلها تدل على التحريم ، ذكرها أحمد في (مسنده) وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه).
قال ابن عطية : ولا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم ، وقال أيضا : أنى شئتم ، معناه عند جمهور العلماء من : صحابة ، وتابعين ، وأئمة : من أي وجه شئتم ، معناه : مقبلة ومدبرة على جنب ، وأنّى : إنما يجيء سؤالا وإخبارا على أمر له جهات ، فهي أعم في اللغة من : كيف ، ومن : أين ، ومن : متى. هذا هو الاستعمال العربي.
وقد فسر الناس أنّى في هذه الآية بهذه الألفاظ ، وفسرها سيبويه بكيف ، ومن أين باجتماعهما؟ وقال النحويون : أنّى ، لتعميم الأحوال ، وقد تأتي : أنى ، بمعنى : متى ، وبمعنى : أين ، وتكون استفهاما وشرطا ، وجعلوها في الشرطية ظرف مكان فقط.