التَّوَّابِينَ) أي : الراجعين إلى ما شرع (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) بالماء فيما شرع فيه ذلك فكان ختم الآية بمحبة الله من اندرج فيه الأزواج والزوجات. وذكر الفعل ليدل على اختلاف الجهتين من التوبة والتطهر ، وأن لكل من الوصفين محبة من الله يخص ذلك الوصف ، أو كرر ذلك على سبيل التوكيد.
وقد أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١) وسألهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن السبب الذي أثنى الله به عليهم ، فقالوا : كنا نجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء ، أو كلاما هذا معناه.
وقرأ طلحة بن مصرف : المطهرين ، بإدغام التاء في الطاء ، إذ أصله المتطهرين.
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) في البخاري ومسلم : أن اليهود كانت تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها إن الولد يكون أحول ، فنزلت. وقيل : سبب النزول كراهة نساء الأنصار ذلك لما تزوجهم المهاجرون ، وكانوا يفعلون ذلك بمكة ، يتلذذون بالنساء مقبلات ومدبرات ، روى معناه الحاكم في صحيحه ، وقيل : سبب ذلك أن بعض الصحابة قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هلكت! فقال : «وما الذي أهلكك؟» قال : حولت رحلي الليلة ، فنزلت.
ومناسبتها لما قبلها ظاهرة ، لأنه لما تقدّم (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وكان الإطلاق يقتضي تسويغ إتيانهنّ على سائر احوال الإتيان ، أكد ذلك بأن نص بما يدل على سائر الكيفيات ، وبين أيضا المحل بجعله حرثا وهو : القبل ، والحرث كما تقدّم في قصة البقرة : شق الأرض للزرع ، ثم سمى الزرع حرثا (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) (٢) وسمى الكسب حرثا ، قال الشاعر :
إذا أكل الجراد حروث قوم |
|
فحرثي همه أكل الجراد |
قالوا : يريد فامرأتي ، وأنشد أحمد بن يحيى :
إنما الأرحام أرضو |
|
ن لنا محترثات |
فعلينا الزرع فيها |
|
وعلى الله النبات |
وهذه الجملة جاءت بيانا وتوضيحا لقوله : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وهو المكان الممنوع من استعماله وقت الحيض ، ودل ذلك على أن الغرض الأصيل هو طلب النسل :
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٠٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١١٧.