١٥ مارس ـ يلوح أن دليلى تلقى أمرا سريا بعرقلة سفرى ، فقد طلعت علينا الشمس ولما يزل يغط فى نومه ، وليس هذا من عادة النوبيين الذين ألفوا أن يستيقظوا مع الفجر. وما إن بدأنا السير حتى زعم لى أن ببعيره عرجا يعجزه عن المشى الحثيث ، وتبينت أنه يرمى من وراء هذا الإبطاء إلى أن يتيح لجند محمد كاشف أن يلحقوا بنا ، فقلت له إن فى وسعه أن يترجل عن بعيره إن شاء لأننى خبير بالطريق إلى الدر ، ولأننى معتزم أن أنطلق إليها بأسرع ما أستطيع. فلما سمع منى هذا ظل راكبا بعيره ، ولكنه كان غير مرة يتخلف مسافة ميل ظانّا بذلك أنه يلزمنى بانتظاره.
ومضينا إلى الواوى بحذاء النيل بدل أن نعبر الصحراء ، وبعد ساعة ونصف وصلنا تجاه صلب ، وهى قرية جميلة على الضفة الغربية ، رأيت فيها أطلال معبد كبير كان فى نيتى أن أزوره بعد عبورى النهر عند تينارى ، ورأيت بعض الفلاحين يروون الأرض فى جزيرة مقابلة لصلب ، فطلبت إليهم أن ينقلونى إلى الضفة الأخرى ويعيدونى ثانية ، وعرضت عليهم أجرا هو كل ما أحمل من ذرة ، وهو أجر باهظ يعدله ، فى تقديرى ، أن تنقد ملاحا لندنيا جنيها على قيامه بمثل هذه المهمة. ولكنى لم أجد طوفا ، بل ولا قربة من هذه القرب التى يمكن أن يعبر عليها المرء النيل إذا نفخت. ولم أر من الحكمة أن أركن إلى ذراعىّ وحدهما فى السباحة إلى الضفة الأخرى ، فلم أجد بدا من استئناف رحلتى دون أن أشبع فضولى. وقد لاح لى المعبد فى ضخامة أكبر المعابد فى مصر ، كاملا لم يتهدم من جسمه شىء ، وفى بهوه من الأعمدة الضخمة عشرة أو اثنا عشر. ولعل الحظ يحالف غيرى من الرحالة فيوفق إلى فحص هذا الأثر الذى أعتقد أنه أقصى ما يوجد جنوبا من أمثلة العمارة المصرية ، فقد أنبئت عن ثقة بأنه ليس فى جنوب المحسّ ولا فى دنقلة أبنية أثرية. ولعلى كنت موفقا كل التوفيق فى عدم عبورى النهر عند تينارى وسيرى شمالا على الضفة الغربية ، ولو فعلت لالتقيت بالمملوكين اللذين كانا منطلقين حثيثا إلى الجنوب ، ولعل لقاءنا فى هذه البقعة كان يختلف عن لقائنا الودّى يوم زرتهما فى الدر من قبل.