أم بلبل ، وسمى ام بلبل لأنه يطلق لسان شاربه بالغناء. والمريسة والبوظة لا يخلوان من فتات الخبز لأنهما يخمران معه ، أما أم بلبل فيصفّى بقماش يخرج من خلاله الشراب نقيا سائلا. ولقد ذقت ثلاثتها ، ووجدت لأم بلبل حرافة لطيفة تجعله أشبه بالشمبانيا الحامضة. ويقدم الشراب فى برمة كرية واسعة مفتوحة عند قمتها عليها نقوش كثيرة منوعة. وتسع البرمة لترين ، وشراب الرجل منهم برمة على الأقل فى مجالسهم. فإذا وضعت البرمة على الأرض جىء إلى جوارها بوعاء آخر صغير مقسوم من نصفه فى حجم فنجان الشاى ، ثم صب فيه الشراب وأدير على القوم واحدا واحدا ، وبين الدور والدور فترة من ست دقائق إلى ثمان. وفى بداية مجالس الشرب يدار عليهم عادة طرف من اللحم المشوى المتبل بالفلفل الكثير ، ولكنهم يزعمون أن فى البوظة الكفاية من الغذاء. والواقع أن النوع العادى منها أشبه بالحساء أو الثريد منه بالراح التى تشرب جرعة واحدة. والقوم كلهم مولع بهذا الشراب ، وللنساء به كلف لا يقل عن كلف الرجال ، ولا يشذ عنهم فى هذه العادة سوى رجال الدين أو الفقراء ، فهم لا يقربونه جهرة على الأقل. وثمن البرمة من البوظة كيلة من الذرة ، يستعمل ثلاثة أرباعها لصنع الشراب ويؤخذ الربع أجرا عن صنعه.
وأهل بربر ، فيما خلا هذا الولع بالشراب ، زاهدون فى الطعام ، وقد يمسكون عنه اليوم كله ليتسنى لهم الشرب والقصف ليلا. وأهم غذاء عندهم خبز الذرة ، ولما كانوا لا يملكون طاحونا ولا رحى ، فهم يطحنون الذرة بنثرها فوق حجر أملس طوله قدمان وعرضه قدم ، يضعه الطحان بميل أمامه ، وتحت طرفه السفلى ثغرة فى الأرض فيها قدر مكسورة أو وعاء خشبى أو نحوه يتلقى دقيق الذرة ، أما أداة الطحن فحجر صغير فى القاع يمسكه بكلتا يديه ويروح به ويجىء على الحجر المائل وهو راكع. ولصنع أجود الخبز تغسل الذرة غسلا جيدا وتجفف فى الشمس ، ولكنهم فى الأكثر يطحنونها دون أن يجشموا أنفسهم مشقة غسلها ، وفى أثنا الطحن تبلل الذرة باستمرار برش الماء عليها من حوض قريب ، فيكون الدقيق المتساقظ فى الوعاء أقرب إلى العجين السائل ، خشنا تشوبه الأقذار والتبن.