وكان جميل الوجه ، سخيّ النفس ، عارفا بالألسنة فلمّا قدم على السلطان خاطبه وقال : ما حملك على العصيان ومن أنت وما قدرك ومحلك؟ فتملّق في الجواب ، وقال : أعزّ الله السلطان كنت أعرف قدري ولا أقدر مقاومة لعبد من عبيدك ، ولكنّ همّتي دعتني أن أعصي لأشتهر بذلك ، فيعلو أمري وذكري بخصم مثلك. فارتضى السلطان عذره وعفا عنه وخيّره بين أشغال يختار واحدا منها فاختار أن يفوّض إليه أمور الكلاب ، وكان السلطان يميل [ظ] إلى الكلاب ، ويداوم على مطالعتها فأخذ قلادة لبعض الكلاب النفيسة ولبس ثياب الكلاب زيّه! وصار يعدو في المعسكر مدّة ، ثمّ رفع من ذلك ، ونصب لاشراف الباب ، فتولّاها مدّة [٨٨ ب] وأجراها أحسن مجرى ، فارتفع منها إلى درجة الوزارة فاستوزر وأكرم بالدست ... فاره! وارتفعت حشمته إلى السماء.
وكان يكلّم كل طايفة بلغتهم ، الأتراك بلغتهم ، والأعراب بلغتهم ، والهند بلغتهم ، وكذلك كل طايفة ، ورتّب الأشغال ترتيبا حسنا ، وقدم بغداد صحبة للسلطان وخدمة الأمراء والأصحاب.
وكان فاضل النفس حسن الكتابة نظما ونثرا.
سمع الحديث في مبادي أمره من أبي الحسين عبد الغافر ، وسمع بالعراق وخراسان.
فمن أشعاره :
الموت مر ولكني إذا طحنت |
|
نفسي إلى العز مستحل لمشربه |
رياسة باض في رأسي وساوسها |
|
يدور فيه وأخشى ان يدور به |
وكان كثير التعصّب على أهل السنّة ، فرّق جمعهم وسعى فيهم بكلّ طريق وبدّد شملهم في البلاد ، وكان يبذل ما يملكه على الأمراء والأجناد ويستعطفهم إلى نفسه ظنّا منه أنه يستظهر بهم عند تغيّر الأمور فلم ينفعه ذلك لمّا انقلب أمره وأصابته آثار دعوات المسلمين الذين قصدهم وهججهم عن أوطانهم.
ثمّ إنه توفي السلطان طغرل بك رحمهالله تعالى ولم يكن له خلف من صلبه بغير الملك في السلطان المبارك الدولة ألب أرسلان فانهض قاصدا إلى العراق من مرو سنة خمس وخمسين وأربع مئة ، وتولّى السلطنة ، وكان وزيره الصاحب نظام الملك فتقدّم بالقبض على الكندري فقبض وأزعج وحمل إلى نيسابور مقيّدا وسلّم إلى الرئيس الحاج أبي علي حسّان بن سعيد المنيعي فحمله إلى مرو الروذ فبقي محبوسا إلى أن برز الأمر بقتله فقتل ، وكان ذلك سنة ست وخمسين وأربع مئة.