في القمر قوله : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [سورة الإسراء ، الآية : ١٢] هو على طريق النّسبة أي ذات إبصار ، وفي موضع آخر : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [سورة يونس ، الآية: ٦٧] أي مضيئا وكما يقال هو ناصب أي ذو نصب ، ويجوز أن يكون لما كان الإبصار فيها جعله لها ، كما يقال رجل مخبت إذا صار أصحابه خبتا ، ونهاره صائم ، وليله قائم.
وقال أبو عبيد يريد قد أضاء للنّاس أبصارهم ، ويجوز أن يكون كقولهم : أصرم النّخل أي أذن بالصّرام ، وأحمق الرّجل إذا أتى بأولاد حمق وقوله : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [سورة الإسراء ، الآية : ١٢] مثل قوله في موضع آخر: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [سورة يونس ، الآية : ٦٧] ومثل قوله: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) [سورة الفرقان ، الآية : ٤٧] وفي آخر : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [سورة النبأ ، الآية : ١١] ومثل قوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [سورة القصص ، الآية : ٧٣] وهذه الآي ، وإن تشابهت في معانيها ، فقد اختلفت تفاصيل نظومها ، فقوله : (جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي يغشى كلّ شيء من الحيوان وغيره فيصير ذا دعة وسكون وانقطاع عما يعالجه في النّهار لابتغاء الفضل فيه ، (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أي وقت معاش ، والمعاش ، والمعيش ما أعان على الحياة به ممّا الحياة به ، وليس الحياة ، قال أمية :
ما أرى من معيشي في حياتي غير نفسي
وقد قال أبو العباس محمد بن يزيد : ثم يرى تفسيرهما جملة ثقة بأنّ السّامع يرد كلّا إلى ماله يريد مثل قوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ، ثم قال : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا) والسّكون في اللّيل ، والابتغاء في النّهار ، ومثله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [سورة الرحمن ، الآية : ٢٢] وإنّما هو من أحدهما ، فإن قال قائل : ما تصنع على هذا بقول سيبويه : لا يقول لقيته في شهري ربيع إذا كان اللقاء في آخره قال : وكذلك لا يجوز أن يقول لقيته في يومين ، واللقاء في أحدهما. قلت : هذا الذي قال صحيح لأنّ ذكرك الشّهر الذي لم يكن فيه اللّقاء ، فصل ولكن لو وصفت الشّهرين بما يكون في واحد منهما فجمعت الصّفة فيهما كان جيدا ، وذلك قولك في الشتاء يكون المطر ويقعد في الشّمس أي هذا وهذا ، وكذلك في شهري ربيع تأكل الرّطب والتمر أي هذا في أحدهما ، وهذا في أحدهما كما يقول : لو لقيت زيدا وعمرا لوجدت عندهما نحوا أو خطّا ، إن كان النّحو عند أحدهما ، والخط عند الآخر فليس هذا بمنزلة الأوّل لأنّ اللقاء في أحد الشّهرين والآخر لا معنى لذكره البتّة.
قال أبو العبّاس : ومن ذلك قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ١٩](بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ٢٠] ثم خبر بفضائلهما فقال :