سالم النهوض لملكه بالمغرب ، فمنعه رضوان (١) القائم يومئذ بملك الأندلس ، مستبدا على ابن السّلطان أبي الحجّاج ، فلحق هو بإشبيلية ، من دار الحرب ، ونزل على بطره ، (٢) ملكهم يومئذ ، فهيّأ له السّفين ، وأجازه إلى العدوة ، فنزل بجبل الصّفيحة ، (٣) من بلاد غمارة ، وقام بدعوته بنو مثنى ، وبنو منير أهل ذلك الجبل منهم ، حتى تم أمره ، واستولى على ملكه ، في خبر طويل ، ذكرناه في أخبار دولتهم. وكان ابن مرزوق يداخله ، وهو بالأندلس ، ويستخدم له ، ويفاوضه في أموره ، وربّما كان يكاتبه ، وهو بجبل الصفيحة ، ويداخل زعماء قومه ، في الأخذ بدعوته. فلمّا ملك السّلطان أبو سالم ، رعى له تلك الوسائل أجمع ، ورفعه على الناس ، وألقى عليه محبّته ، وجعل زمام الأمور بيده ، فوطئ الناس عقبه ، وغشي أشراف الدّولة بابه ، وصرفوا الوجوه إليه ، فمرضت لذلك قلوب أهل الدولة ، ونقموه على السّلطان ، وتربّصوا به ، حتى توثّب عمر ابن عبد الله بالبلد الجديد ، وافترق الناس عن السّلطان. وقتله عمر بن عبد الله آخر اثنتين وستين ، وحبس ابن مرزوق وأغرى به سلطانه الذي نصبه ؛ محمّد بن عبد الرحمن ابن أبي الحسن ، فامتحنه ، واستصفاه ، ثم أطلقه ، بعد أن رام كثير من أهل الدولة قتله ، فمنعه منهم. ولحق بتونس ، سنة أربع وستين ، ونزل. على السّلطان أبي إسحق ، وصاحب دولته المستبدّ عليه ، أبي محمد بن تافراكين ، فأكرموا نزله ، وولّوه الخطابة ، بجامع الموحّدين بتونس ، وأقام بها ، إلى أن هلك السّلطان أبو إسحق سنة سبعين ، وولي ابنه خالد. وزحف السّلطان أبو العبّاس ، حافد السّلطان أبي يحيى ، مقرّه بقسنطينة إلى تونس ،
__________________
(١) هو أبو النعيم رضوان. تولى الحجابة والوزارة ، لأبي الحجاج يوسف بن إسماعيل بن الأحمر ، واستبد على ملكه ، فقبض عليه عام ٠٤٧ ه. انظر اللمحة البدرية ص ٨٩ ، وتاريخ ابن خلدون ٨ / ٣٠٦.
(٢) اصطلح ابن خلدون على كتابة «بطره» بطاء ، فوقها نقطتان ، إشارة إلى أن نطقها بين الطاء والتاء ؛ وقد أشار إلى الطريق التي اتبعها في رسم مثل هذا الحرف ، مما خرج منه عن النطق العربي الخالص ـ في أول مقدمته ص ١٧ طبع بولاق.
(٣) انظر تفصيل نزول أبي سالم ببلاد غمارة ، وأخباره في العبر ٧ / ٣٠٤ ، ٣١٢.