للقارئ وضوحا لا يشوبه غموض ؛ وهي محاولة كان دون تحقيقها ـ كما قال الأول ـ خرط القتاد.
ولا أجرؤ على دعوى أنني حققت المنهج من ألفه إلى يائه ، فقد عجزت عن تحديد أمكنة ـ مرت بي ـ على الطريق الذي حاولت أن ألزم به نفسي ، فاكتفيت بتحديد «ياقوت» ـ لا أجرؤ على قول ذلك ، ولكنني أزعم أن كثيرا من الأماكن التي ذكرت في هذا الكتاب أمكن تحديدها بحيث يستطاع وضع اليد على مكانها اليوم بالمصورات الجغرافية الحديثة.
وذكر ابن خلدون ـ فيما ذكر في كتابه ـ شيوخه الذين تخرج على أيديهم ، وحلّاهم بحلى كانت ، عند تقديرها ، موضع الريبة والشك يوم تناول ابن خلدون النقد الحديث.
وقد أحسست أن عليّ تجاه ذلك أن أعرض رأي ابن خلدون في شيوخه ، وتقديره لهم ، على كتب التراجم والطبقات ، وأن أزن ما أورده فيهم ـ بالذي يورده غيره ؛ فإذا ما خالفه أتيت بالنص المخالف ، وأشرت إلى موضع الترجمة المخالفة ، أما حين يوافقه غيره ، فقد اكتفيت بالدلالة على موضع الترجمة.
وأحب أن أقول هنا : إنه ، من بين هذه المراجع جميعا ، لم يخالف رأي ابن خلدون فيما علمت ـ في الحلى التي خلعها على شيوخه من تزكية ، وتفوق وبلوغ الدرجات العلى في فرع الثقافة الإسلامية التي اختص كل منهم بإتقانه ، أقول لم يخالفه في ذلك إلا شخص واحد ، وفي مسألة واحدة ، على أن كثيرا من العلماء نظر إلى المسألة ذاتها بالعين التي كان ينظر إليها بها ابن خلدون.
والمسألة هي : «هل كان لناصر الدين المشدالي بصر بعلم الحديث أو لا؟ قال ابن خلدون ـ وقد روى عنه الموطأ ـ : نعم! وقال العلامة الرحالة العبدري في رحلته : لا!
والذي يعرف سعة اطلاع العبدري ، وموهبة النقد النافذ التي كان يتمتع بها ـ لا يسعه إلا أن يضع رأيه ـ على الرغم من انفراده به ـ موضع التقدير.
والذين تحدثوا عن ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ قالوا إنه كان مولعا ـ في كتابته ـ