قوي بإفراط الحرّ والعمران فيه ، إمّا ممتنع ، أو ممكن أقلي. وهو كذلك فإنّ خط الاستواء والذي وراءه ، وإن كان فيه عمران كما نقل ، فهو قليل جدا». ويختتم ابن خلدون هذه «التكملة» بالألفاظ الآتية : «ولنرسم بعد هذا الكلام صورة جغرافيا كما رسمها صاحب كتاب رجار ، ثم نأخذ في تفصيل الكلام عليها ... إلخ». ويجب أن نبادر إلى القول بهذه المناسبة أنّه لم يتم العثور في أيّة واحدة من مخطوطات كتابه على هذه الخارطة المزعومة (١).
أما «تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا» فيقدم وصف الأرض بتقسيمها إلى سبعة أقاليم وتقسيم كل إقليم إلى عشرة أجزاء. وبعد أن يوضح ابن خلدون القاعدة الفلكية لهذا التقسيم ويصف الأقاليم بإيجاز يشير مرّة أخرى إل مصدره الأساسي ، وذلك بقوله :
«ونحن الآن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار في كل جزء منها ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب «نزهة المشتاق» الذي ألّفه العلوي الإدريسي الحمّودي لملك صقلية من الإفرنج وهو رجار بن رجار عند ما كان نازلا عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة. وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة وجمع له كتبا جمة.».
ثم يسرد ابن خلدون عقب هذا مباشرة أسماء الكتب التي أشار إليها الإدريسي بألفاظه ، محتفظا بنفس الترتيب الذي وردت به في «نزهة المشتاق» ؛ ومن العسير القول بأنه عرفها جميعها معرفة مباشرة. أمّا وصفه للأقاليم فلا يمثّل شيئا جديدا بالنسبة لنا إذ أنه يقدم مقتطفات فقط من مصنّف الإدريسي المذكور. وهو قد يغتنم الفرصة أحيانا ليضيف شيئا ما كمعلوماته عن جزر المحيط الأطلنطي وعن جوف إفريقيا ، هذا على الرغم من أنّ مادّته كانت دون شكّ أحفل وأكثر تفصيلا في مجالات كثيرة من معلومات الإدريسي. وقد رجع ابن خلدون أحيانا إلى مصادر
__________________
(١) لقد تم العثور عليها وهي موجودة في مخطوطة واحدة فقط من المخطوطات العديدة لكتاب «العبر» هي المخطوطة رقم ٢١٠٦ طلعت بدار الكتب المصرية (راجع ص ٥٧ من كتاب «مؤلفات ابن خلدون» لعبد الرحمن بدوي ، القاهرة ١٩٦٢). (المترجم).