العالم آنذاك ، والذي شهده ابن بطوطة في موضع آخر. ولد ابن خلدون بتونس في عام ٧٣٢ ه ١٣٣٢ وبدأ وهو في سنّ مبكّرة حياته المستقلّة التي أحاط بها الكثير من القلق والاضطراب. وعلى الرغم من ميله الشديد إلى الدراسة فإنّ هذا لم يحل بينه وبين التقلّب في المناصب الحكومية طوال حياته تقريبا ، فشغل عددا من الوظائف الإدارية والكتابية قرّبته إلى حياة البلاط ، والدسائس السياسية التي شارك فيها أحيانا بنصيب وافر. وقد عاش ابن خلدون في جميع الإمارات التي تقاسمت المغرب آنذاك ، فإلى جانب تونس أقام بفاس متمتّعا بعطف السلطان أبي عنان من بني مرين ، وهو نفس ذلك السلطان الذي عاش في كنفه ابن بطّوطة ، وقد مرّت بنا قبل قليل إشارة ابن خلدون إلى هذا الأخير. وكان من بين أصدقاء ابن خلدون حين إقامته بغرناطة الوزير المشهور والأديب الكبير ابن الخطيب ، الذي أصبح فيما بعد عدوّا لدودا له ؛ وفي عام ٧٦٥ ه ١٣٦٣ اختاره أمير غرناطة ليكون سفيره إلى ملك قشتالة. ولم يقدّر لابن خلدون أن يستقرّ طويلا في موضع ما ، فعند رجوعه إلى إفريقيا أخذ يتنقّل بين عدد من المدن مثل : بجاية ، وبسكره ، وتلمسان ، وفاس ، ثم رجع إلى الأندلس. وقد استطاع مرّة أن يخلو إلى نفسه بضعة أعوام ، وذلك ابتداء من عام ٧٧٦ ه ١٣٧٥ في بقعة شبة بدوية هي قلعة ابن سلامة من أعمال وهران ، انقطع فيها للقراءة والتأليف ، عاملا دون كلل في تحضير مقدّمة تاريخه. وفي خلال زيارة له إلى تونس بهدف جمع المادّة العلمية لتاريخه تبيّن له أنّ الإقامة بالمغرب لم تعد في مصلحته بسبب الاضطرابات السياسيّة ، فقرّر مغادرة تونس إلى المشرق متعلّلا بالحجّ ، وخرج من المغرب إلى غير رجعه في عام ٧٨٤ ه ١٣٨٢. وبعد أن أقام بعض الوقت بالإسكندرية غادرها إلى القاهرة التي كانت تعدّ بحق مركز الثقافة الإسلامية في ذلك العصر ؛ وهنا تمتّع ابن خلدون برعاية السلطان المملوكي برقوق ، وشغل في عهده وعهد ابنه السلطان فرج منصب قاضي قضاة المالكية لمرّات عديدة ابتداء من عام ٧٨٦ ه ١٣٨٤ ؛ وأدّى فريضة الحجّ لأوّل مرّة في عام ٧٨٩ ه ـ ١٣٨٧. وقد لاحقته الدسائس في مصر ، فأعفي من منصبه القضائي ستّ مرّات ، وأمضى بضعة أعوام انقضت عام ٧٩٧ ه ـ ١٣٩٤ في عزلة بالفيّوم ، كان من أسبابها الحزن العميق الذي أصابه بسبب نكبة أسرته في حادث غرق سفينة. وفي بداية القرن