الرّميّة ، (١) الناشر النّاسل ، (٢) ورويت لمرسلات السّهام المراسل ، (٣) ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والارتباك ، ونشبت الأسنّة في الدّروع نشب السمك في الشباك ، ثم اختلط المرعيّ بالهمل ، (٤) وعزل الرّدينيّ عن العمل ، وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا ، بعد أن شقّت غدر السّوابغ خلجانا ، واتحدت جداول الدّروع ، فصارت بحرا ، وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا ، عناق وداع ، وموقف شمل ذي انصداع ، وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع ، واستكشفت مآل الصبر الأنفس الشّفّافة ، (٥) وهبّت بريح النصر الطلائع المبشّرة الهفّافة ، (٦) ثم أمدّ السّيل ذلك العباب ، وصقل الاستبصار الألباب ، واستخلص العزم صفوة اللّباب ، وقال لسان النصر : «ادخلوا عليهم الباب» ، فأصبحت طوائف الكفّار ، حصائد مناجل الشّفار ، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار ، (٧) ورؤوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار ، وعلت الرّايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار ، ورفرف على المدينة جناح البوار ، لو لا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار ، والوقوف عند اختفاء سرّ الأقدار.
ثم عبرنا نهرها ، وشددنا بأيدي الله قهرها ، وضيّقنا حصرها ، وأدرنا بلآلئ القباب البيض خصرها ، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما ، (٨) وترمي الأدواح ببوارها ، وتسلّط النيران على أقطارها ، فلو لا عائق المط ، لحصلنا من فتح ذلك
__________________
(١) الرميّه : الطريدة التي يرميها الصائد.
(٢) الناشر : المعنز. والناسل : المسرع.
(٣) يورى بالحديث : المرسل» عند المحدثين. وانظر فتح المغيث ١ / ٦٧ وما بعدها.
(٤) هو مثل ؛ والمرعيّ : الإبل التي لها راع ، والهمل : الضوال من النعم لا راعي لها.
(٥) أنفس شفافة : فاضلة.
(٦) الهفافة : السريعة المرور في هبوبها.
(٧) أخفرت الرجل : إذا : نقضت عهده ، وذمامه. والهمزة فيه للإزالة ؛ أي أزلت خفارته.
(٨) حام الطائر حول الماء حياما : دوّم ودار.