محاورة الأعلام ؛ بعد أن حال الجريض ، (١) دون القريض ، وشغل المريض عن التّعريض (٢) ؛ وغلب حتى الكسل ، ونصلت الشّعرات البيض كأنّها الأسل ، تروع برقط (٣) الحيات ، سرب الحياة ، (٤) وتطرق بذوات الغرر والشّيات ، عند البيات (٥) ؛ والشّيب الموت العاجل ، وإذا ابيضّ زرع صبّحته المناجل ، والمعتبر الآجل ، وإذا اشتغل الشيخ بغير معاده ، حكم في الظّاهر بإبعاده وأسره في ملكة عاده ، فأغض أبقاك الله واسمح ، لمن قصّر عن المطمح ، وبالعين الكليلة فالمح ، واغتنم لباس ثوب الثّواب ، واشف بعض الجوى بالجواب.
تولاك الله فيما استضفت وملكت ، ولا بعدت ولا هلكت ، وكان لك آية سلكت ؛ ووسمك من السعادة بأوضح السمات ، وأتاح لقاءك من قبل الممات ، والسلام الكريم يعتمد حلال (٦) ولدي ، وساكن خلدي ، بل أخي وإن اتّقيت عتبه (٧) وسيّدي ، ورحمة الله وبركاته ، من محبّه المشتاق إليه محمد بن عبد الله بن الخطيب ، في الرابع عشر من شهر ربيع الثاني ، من عام سبعين وسبعمائة.
__________________
(١) الجريض : من الجرض ، وهو الريق يغص به. والقريض : الشعر. وحال : منع. وهو مثل يضرب للأمر كان مقدورا عليه ، فحال دون القدرة عليه مانع. وفي معنى المثل خلاف تجده في التاج ، واللسان ، (جرض) ، وانظر مجمع الأمثال ١ / ١٣٩.
(٢) التعريض : إطعام العراضة ؛ وهي الهدية يهديها القادم من سفر. وكأنه يريد أن المريض قد شغله مرضه عن الالتفات لهذا.
(٣) جمع رقطاء ؛ وهي الحية في لونها سواد وبياض.
(٤) وقف على «الحياة» بالتاء مراعاة للسجع. وهي لغة جائزة وإن كانت غير راجحة ؛ وقد تحدثوا عنها في باب «الوقف» من كتب النحو.
(٥) جمع غرة ؛ وهي البياض في جبهة الفرس. والشيات : جمع شية ؛ وهي سواد في بياض ، أو بياض في سواد ، والبيات : الإيقاع بالعدو ليلا ، من غير أن يعلم فيؤخذ غرة. والكلام على تشبيه الشعرات البيض بأفراس في لونها سواد وبياض.
(٦) الحلال : جمع بيوت الناس ، واحدتها حلة
(٧) العتب : لومك إنسانا على إساءة كانت له إليك.