هارون الرشيد ، مولده سنة ١٨٠ ه ، وكان يقال له المثمن ؛ لأنه ثامن الخلفاء ، وثامن أولاد الرشيد ، والثامن من أولاد العباس ، واستخلف سنة ٣١٢ ه ، وملك ثمانية أعوام ، وعاش ثمانية وأربعين سنة.
قال الصولى : كان مع المعتصم غلام فى الكتاب يتعلم معه القرآن ، فمات الغلام ، فقال له الرشيد : يا محمد مات غلامك ، فقال : يا سيدى قد استراح من الكتاب ، فقال : يا ولدى ، إن الكتاب يبلغ منك هذا المبلغ؟! وقال لمعلمه : اتركه لا تعلمه شيئا ، فانتشأ عاميا يكتب كتابة مغشوشة ، ويقرأ قراءة ضعيفة.
وقال نفطويه : كان المعتصم من أشد الناس قوة وبطشا ، كان يجعل زند الرجل بين إصبعيه ؛ فيكسره.
نقل ذلك الحافظ السيوطى ، وتلك قوة عظيمة ما وصل إليها أحد ، وهو أول من أدخل الأتراك الدواوين ، وكان يشبه بملوك الأعاجم ، وبلغ غلمانه الأتراك ثمانية عشر ألفا ، وبعث إلى سمرقند ، وفرغانة أموالا لشراء الأتراك ، وألبسهم أطواق الذهب والديباج ، وكانوا يطردون الخيل فى بغداد ، ويؤذون الناس ، وضاقت بهم البلد ، فشكاهم أهل بغداد إلى المعتصم ، واجتمعوا على بابه ، وقالوا : إن لم تخرج جندك الأتراك عنا ، حاربناك ، قال : تحاربونى ، وأنتم عاجزون عن حربى؟ فقالوا : نرمك بسهام الأسحار ، ونسل عليك بسيوف الدعاء ، فقال : والله لا أطيق ذلك ؛ ولكن انظرنى لأنظر لى إلى بلد أنتقل بهم فيها ، ولا تتضروا واد ، وكفوا عنى سهام دعائكم ، فبنى مدينة «سر من رأى» بقرب بغداد ، وانتقل إليها فى سنة ٢٠٣ ، وللمعتصم عدة غزوات مع الكفار ، أشهرها غزوة عمورية ظهرت له فيها اليد البيضاء ، ونصر فيها الملة المحمدية الغراء وخذل فيها الكفار أعداد الدين ، وأعز فيها يالإسلام والمسلمين.
وملخصها أن ملك الروم أرسل كتابا إلى المعتصم يهدده ؛ فاستشاط غضبا ، وأمر بجوابه ، فكتب له الجواب ، فلم يرضه شىء منها ، ومزق الكتاب الذى ورد عليه.