إذ لو كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على النحو الذي تصفه الرواية لذاع ذكره
وطار صيته بهذا الوصف ولا يكاد يخفى على الناس أمره. على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في البيئة العربية الاُمية كان في
منتأى عن سماع الألسنة أو رؤية أصحابها فلم يكن في موطنه ولا دار هجرته من يعرفها
أو يتكلم بها فكيف يتكلم بهذه اللغات ، وهو لا يجد من يشافهه بها ، ولم تكن تحضره
صحيفة أو صحائف كتبت بغير اللغة العربية.
ثانياً : إنّ تفسير الاُمّي بكونه
منسوباً إلى اُمّ القرى ، يخالف ما اتفقت عليه أئمّة الأدب ، وجهابذة اللغة ،
وأعلام التفسير بل يخالف القرآن الكريم حيث فسّر سبحانه بغير ذلك وقال : ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ ) فلا يصح الركون في هذه المسألة إلى
حديث ينتهي إلى من اختلف في وثاقته ، إلى من أهمله علماء الرجال في كتبهم.
ولسنا من الفئة التي تعرض القرآن
والحديث الصحيح على القواعد العربية المدوّنة بعد أجيال من نزول القرآن ونشر
الحديث ، بيد علماء الأدب ، فإنّ تلك الفئة ضالّة مضلّة مستحقة للرد والطعن. إذ
الصحيح عرض القواعد على القرآن والحديث دون العكس ، فإنّ المقياس الوحيد لتمييز
الصحيح عن غيره ، إنّما هو كلام أهل اللسان والأساليب الدارجة بينهم ، لا القواعد
المدوّنة إذا لم ترجع إلى مصدر وثيق.
وعلى هذا فلو وجدنا القاعدة الأدبية
المصطادة من تتبع بعض الموارد ومن كلام العرب ، مخالفة للقرآن الكريم أو الحديث
الثابت عنهم ، أو الكلام الصادر عن عربي صميم ، وجب علينا هدم القاعدة ، ورميها
بالخطأ والغلط ، لا تأويل الذكر الحكيم والحديث الصحيح ، والكلام المنقول عن أهل
اللسان إذ القرآن سواء أقلنا إنّه كلام إلهي اُوحي إلى نبيّنا الأكرم أم قلنا إنّه
من منشآته ومبدعاته ( وأجل النبي عن هذه الفرية الشائنة ) كلام صحيح ، صادر أمّا
عن الله سبحانه أو عن عربي صميم شب وترعرع بين الاُمّة العربية وقضى عمره وحياته
بين ظهرانيهم.
وعلى أي تقدير فهو الحجة في تدوين
القاعدة وتأسيسها دون العكس ومثله الآثار المنقولة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.