إن لم تغث عبدك من ذا الذي |
|
يحميه أو ينجيه من نكبته |
ومنها :
ارحم عبيدا لك واستبقه |
|
للولد المحبوب من مهجته |
فو الذي حقق ظني بما |
|
أرجو من الإنصاف أو رحمته |
أمسيت في الحبس كفرخ القطا |
|
من كرب الحزن ومن شدته |
وكان أشعر ما يكون إذا تعرض للهجاء ، وكان بصيرا بنقد أغلاط سواه كما ظهر مما كتبه في الرد على العلامة أحمد فارس وسواه. على أنه مع رسوخ قدمه في معرفة اللغة وشواردها وآدابها ووقوفه على كثير من نوادر كتبها في العلم والشعر ونسخه كثيرا منها من جوامع القسطنطينية ومكاتب أوربا قد بدرت من قلمه في الشعر والنثر هفوات كثيرة كقوله في جمع المغارة مغائر بدل مغاور ، وكقوله الشجار على لغة الجرائد بدل الشجر أو التشاجر ، والشجار لا يؤدي معناهما ، وكقوله خصم الحساب بمعنى قطع الحساب ، ولعل لفظ حسم أقرب إلى المعنى وهي عامية. وكل ذلك عجيب وقوعه من قلمه مع رسوخه في علم اللغة كما ذكرنا (١).
ثم لما امتدت به النكبة ألقى عصا الترحال في بلد لندن. وأكثر ما وصل إلينا من شعره ونثره كان مما كتبه فيه. وكأنه لما يئس من العود إلى بلاده أعاد نشر جريدته «مرآة الأحوال» وكان نشرها في القسطنطينية مدة ، وكان يكتبها في لندن بخطه الحسن ويطبعها على ورق صقيل رقيق جدا. ثم يبعث بها في البريد في غلف مختومة إلى أطراف الأرض ، وفيها من الفصول الشائقة ومقالات الانتقاد على سياسة الحكومة العثمانية يومئذ والتنديد برجالها والتشنيع على جور عمالها وطرق ارتكابهم في مظالمهم (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ)(٢) ما أيقظ الجفون وحرك السكون ، ولم ينشرها حتى أدركته المنون.
ومما يروى له هذان البيتان :
قدر الله أن أموت غريبا |
|
في بلاد أساق كرها إليها |
__________________
(١) ويلاحظ القارىء في المقطوعة الشعرية الأولى كثرة الاختلال في الوزن.
(٢) يس : ٧٨.