وينظر نحوي ، ثم قال : إني أشم رائحة طيبة وأظنها من هذا الغلام ، فطلبني فتوقفت حياء ، فأشار إليّ الوالد فقمت إليه وقبلت يده ، فرحب بي وقال : هذه الرائحة الطيبة من هذا الغلام ، وصار يتأملني ، ثم قال لوالدي : هذا سيصير شيخ هذه التكية فيما بعد. ثم صار بينه وبين الوالد ألفة تامة ، وصار في كل جمعة يذهب إلى التكية لحضور الذكر وأكون معه إلى سنة ١١٩٩ ، فطلبني من والدي لأجل أن يحرر لي إجازة الخلافة ويخلفني كما كان أشار إليه سابقا ، فتوقف الوالد وتردد إلى أن أجاب بعد أن أخبره أنه مأمور بذلك وإن لم يجبني إلى ذلك يخشى على ولده العطب ، فأجاب وحرر الشيخ إجازة الخلافة بأمره ، وأطعم اللقمة للمشايخ أرباب التكايا ، إلى أن جاءت سنة ١٢٠١ وصار الطاعون وطعنت من الجملة وشاع الخبر بوفاتي ، فذهبوا وأخبروه فلم يصدق ، وقال : هذا لا يموت الآن بل يقيم على بسطي مدة طويلة معلومة عندي بسبب أني مأمور بخلافته وأنه يقيم كذا سنة على البسط ، ففي هذه الأثناء أتى الخبر أن خبر موته غلط عن موت والدته ، وكانت توفيت ذلك اليوم ، ثم إنه حضر لعيادتي مع بعض المشايخ وطيب خاطري ورطبني وأقام إلى أوائل المحرم سنة ١٢٠٦ ، فاتفق أني كنت عنده ذلك اليوم فقال : يا ولدي أنا بقيت عندك مسافرا وأعيش خمسة عشر يوما بعد هذا اليوم ، فقلت : يا سيدي جعلني الله فداك ، ما هذه البشارة! فقال : سترى. ثم أصبح في اليوم الثاني موعوك المزاج إلى تمام الخمسة عشر ليلة الجمعة الخامس عشر من المحرم فتوفي ليلتها ، وقبل وفاته أوصى أن يدفن في محل خلوته التي يخلو بها حال حياته للذكر ودعا لي ، ففي اليوم الثاني باشرنا تجهيزه. ودفناه حيث أوصى قبل صلاة الجمعة رحمهالله تعالى.
وكان بشرني أن التكية سيكون لها وقت تعمر فيه ويحصل لها وقف يكون فيه إدارة لها ، فورد في سنة ١٢٤٢ حضرة رضا علي باشا مع يوسف باشا السيروزلي وكان كتخداه ، فتعرض لتعميرها وفوض إلي ذلك ، فأصرفت في ذلك بالتدبير والتوفير نحو سبعة آلاف قرش جزاه الله خيرا. ثم عزل يوسف باشا عن ولاية حلب وتوجه معه وغاب مدة ، ثم عاد هو واليا بالفرمان ، فتعاطى الأحكام وجرى له مع الأهالي مجريات وانتصر عليهم ، وجاءته الوزارة ، ووقف للتكية دارين يحصل منهما منفعة ودكانا في سوق خان الحرير ، ولما تصدى لتعمير التكية بحسن النية عمر الله له دنياه ، وخرج من حلب لولاية بغداد لإخراج داود باشا والقبض عليه وإرساله إلى الآستانة ، فنجحت أموره وانتصر على داود