علما وعملا ، غير أن هذا التلميذ هو دون شيخه بمراحل في العلم فألف رسالة أراد أن يذكر فيها طريقة شيخه فلم يوف بها وتغير المعنى المقصود لشيخه ، إذ مدار هاته الرسالة أن لا يقلد أحد إلا المعصوم ولذلك يجب على الأمة أن لا يعملوا إلا بالكتاب والسنة ويتركوا ما وراءهما ولا يخفى أن ظاهر ذلك يوقع في إفساد الشرع حيث أنه لا مخالف في أن لا أتباع إلا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بما في الكتاب والسنة ، لكن أين أهل الفهم منهما. وأين أدوات ذلك التي كانت في صدر الإسلام سليقة وصارت على التدريج صناعة وعلوما تتعلم وتدلى الأمر حتى لم يبق من يوفيها حقها؟ فإذا سوغنا لكل أحد أن يعمل بما يفهم مع ما هو عليه من الجهل كان ذلك هو عين الفساد ، ولذلك لزم اتباع الإجماع والاجتهاد من أهله المسلم إليه وقد كانت المجتهدون كثيرين في الصدر الأول ، فمنهم من كثرت أتباعه وتسلسل النقل لأقواله إلى الآن وهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل رضوان الله عليهم. ومنهم من انقطع النقل عنه فلا يجوز الآن تقليده لعدم صحة السند في مذهبه بالنسبة لأهل العصر ، وإلا فكلهم سواء بالنسبة للمقلد وكل من ليس له ملكة الإطلاع على الأدلة ومناطاتها وترجيحها فهو عامي وله أن يقلد من شاء من الأئمة المجتهدين ، لقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء : ٧] وبذلك تحفظ الشريعة لأن سند الاجماع هو نص من الشارع ، وسند القياس هو الإستنباط من نص الشارع أيضا ، فرجع الأمر إلى أن لا عمل إلا بالكتاب والسنة ، والشيخ السنوسي رحمهالله مقرر لذلك في رسالة له ألفها في المعنى المتقدم واختصرها تلميذه اختصارا مخلا ، وذلك أن الشيخ السنوسي قرر في رسالته «وجوب الاتباع للشارع والتباعد عن العمل بالرأي والبدع. وحث على وجوب إخراج المكلف نفسه من حضيض التقليد إلى درجة الاجتهاد (١) والكمال حتى
__________________
(١) الإجتهاد : هو استخراج الأحكام التي لم يرد فيها نص صريح لا يحتمل إلا معنى واحدا من الكتاب والسنة.
فالمجتهد : من له أهلية ذلك بأن يكون عالما بالأحكام في كتاب الله ـ وبناسخه ومنسوخه ـ وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده وغير ذلك ، ويستدل على ما احتمل التأويل بالسنة وبالإجماع فإن لم يكن فبالقياس على ما في الكتاب ، فإن لم يكن فبالقياس على ما في السنة ، فإن لم يكن فبالقياس على ما اتقف عليه السلف وإجماع الناس ولم يعرف له مخالف ، ولا يجوز القول في شيء من العلم إلا من هذه الأوجه ، ولا يكون صالحا لأن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقوال السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء ولسان العرب ، ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات ولا يعجل ويسمع ممن خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن كانت ، وأن يبلغ غاية جهده وينصف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال. وتشترط العدالة وهي السلامة من الكبائر ومن المداومة على الصغائر وهي أن تغلب على حسناته من حيث العدد ، ويشترط فوق ذلك شرط هو ركن عظيم من الإجتهاد وهو فقه النفس. أي قوة الفهم والإدراك.
أما المقلد : فهو الذي لم يصل إلى تلك المرتبة بل يعمل بما قال المجتهدون كالشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة. والدليل على أن المسلمين على هاتين المرتبتين قوله صلىاللهعليهوسلم : «نضّر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها ، فرّب حامل فقه لافقه له» اخرجه الطبراني في الكبير ١٧ / ٤٩ والهيثمي في مجمع الزوائد ـ