الزبير (١) بناه على قواعد إبراهيم عليهالسلام وأدخل فيه الحجر ثم هدمه عبد الملك (٢) وأعاده على هيئته زمن الرسالة ، فلما استخلف أبو جعفر المنصور (٣) أراد أن يعيده على ما بناه ابن الزبير ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعائشة رضياللهعنها : «لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم» (٤) فلما زال المانع وحدوثية الإيمان ترجح عوده إلى الأصل ، واستشار الخليفة الإمام مالك بن أنس رضياللهعنه فقال له ما معناه : «يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة بأدي الملوك فإن الذي رأيته وإن كان صوابا لكن إبقاؤه على حالته احتراما لشأنه أولى» ، فبقي على ما هو عليه الآن ، وأساس جدران الكعبة مرتفع عن الأرض ما بين عشرين صانتي إلى ثلاثين وزائد العرض عن الحيطان ما بين عشرين إلى أربعين فهو كالدرجة محيط بالجدران وهو المسمى بالشاذروان ، والحجر الذي هو من قواعد إبراهيم عليهالسلام في جهة البيت الواقعة بين المغرب والشمال ومحيط به الحطيم الذي هو بناء مستدير نحو نصف دائرة ارتفاعه ميترو وسمكه ميترو ونصف مغلف بالرخام ، وينتهي قوس النصف دائرة قبل أن يصل إلى جدران الكعبة بنحو ميتروين وخمسة وثلاثين صانتي ، والبيت مبني بصخر كبير وأرضه مرتفعة عن مساواة المسجد نحو ميتروين وبابه قرب الركن الشرقي مستقبلا ما بين المشرق والشمال ، ويصعد إليه بمدرج مثل المنبر في المواكب العامة وعند فتحه الخصوصي يؤتى له بسلم صغير ، وعتبة الباب من فضة وعواضده من مرمر والباب بدفة واحدة قفله من ذهب وهو من خشب الساج ، وداخل البيت ثلاث أسطوانات من القماري قطر الواحدة أزيد من شبرين وارتفاعها أزيد من ستة
__________________
(١) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، أبو بكر. (٧٣١ ه) فارس قريش في زمنه وأول مولود في المدينة بعد الهجرة. حكم مصر والحجاز واليمن وأكثر الشام وجعل قاعدة ملكه المدينة.
نشبت بينه وبين الحجاج حروب في الطائف انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة. الأعلام ٤ / ٨٧ الكامل في التاريخ ٤ / ١٣٥ ، فوات الوفيات ١ / ٢١٠ حلية الأولياء ١ / ٣٢٩ صفة الصفوة ١ / ٣٢٢.
(٢) هو عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي ، أبو الوليد (٢٦ ـ ٨٦ ه). من الخلفاء. نشأ في المدينة. شهد يوم الدار مع أبيه. اجتمعت عليه كلمة المسلمين بعد مقتل ابن الزبير. توفي في دمشق.
الأعلام ٤ / ١٦٥. الكامل في التاريخ ٤ / ١٩٨ تاريخ الطبري ٨ / ٥٦ ميزان الإعتدال ٢ / ١٥٣ تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٨.
(٣) هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس ، أبو جعفر المنصور (٩٥ ـ ١٥٨ ه) ثاني خلفاء بني العباس. كان عارفا بالفقه والأدب ، ولد في الحميمة من أرض الشراة وهو باني مدينة بغداد. قتل في المدائن الأعلام ٤ / ١١٧ تاريخ بغداد ١٠ / ٥٣ ، فوات الوفيات ١ / ٢٣٢ الكامل في التاريخ ٥ / ١٧٢ وتاريخ الطبري ٩ / ٢٩٢ ـ ٣٢٢.
(٤) وأخرجه البخاري برقم (٤٤٨٤) والإمام مالك في الموطأ برقم (٣٦٣) ومسلم في صحيحه كتاب الحج باب (٦٩) رقم (٣٩٩) والإمام أحمد في مسنده ٦ / ٥٧ و ٢٥٣ والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٣٧ والقرطبي في تفسيره ٢ / ١٢٤ والعجلوني في كشف الخفا ٢ / ٢٣٣.