أيضا ، وكذلك العائلة السادسة وغيرها إلى الثانية عشر كلهم متفرقون على جهات من مصر ، إلى أن قهر الجميع تحت حكم فرعون أوسيرطاسن : أو سيزوستريس ، ثالث ملوك العائلة الثانية عشر ، وضم إلى ممالكه بلاد الحبشة وغيرها من السودان وانقرضت عائلته بعده بقليل ، وغاية ما يعلم أنه تداول مصر بعد ذلك عائلتان وهما الثالثة عشر والرابعة عشر ، وكان حوادثهما ليست مهمة فلم يوجد لهما وقائع شهيرة.
وأما الخامسة عشر والسادسة عشر فلهما أخبار من جهة قوة الملك والترقي في الصنائع والمعارف ، وفي آخر الأخيرة ابتدأ تسلط الملوك الرعاة على مصر وتم استيلاؤهم على قسم عظيم منها أو عليها كلها ، لكن بقي للأهليين جهة من أعالي الصعيد ملكوا عليها العائلة السابعة عشر من الفراعنة ولم يكن لها أهمية في جنب مملكة الرعاة ، وهؤلاء الرعاة يغلب على ظن محققي المؤرخين أنهم من العرب اجتازوا إلى مصر وبقوا فيها مدة طويلة ، ذوي شأن وسلطان مهيب قوي وقال بعض الأخباريين أن دخول يوسف إلى مصر كان في دولة هؤلاء الرعاة ، ولما قضي على تلك الدولة بالإنقراض كان الذي باشر قهرها فرعون «أموسيس» وانتشأت العائلة الثامنة عشر ولها عدة آثار باقية إلى الآن من المباني والصور الدالة على قوة الملك والتمدن كالمسلتين الموجودتين بالإسكندرية والقسطنطينية وكذلك الموجودة برومه ، وقال بعض المؤرخين : أن دخول يوسف عليهالسلام إنما كان في هاته الدولة ويستدل من الآثار أن عبادة الأصنام تفاحشت في مدة تلك العائلة ، ثم استولت العائلة التاسعة عشر من الفراعنة وكان منها فرعون «سيزوستريس» المشهور عند اليونان بذلك الإسم ، وامتدت مملكته من نهر الطونة في أوروبا إلى نهر الكنك في الهند ، وأنشأ في كل مملكة افتتحها آثارا تدل عليه ، وارتقت مصر في مدته إلى غاية كبرى من المعارف والغنى ، حتى قيل إنه أول من رسم خريطة لصورة ممالكه الواسعة ، وزادت ارتقاء وفخرا وانتهت في معارف الطبيعيات والهندسة والسحر في مدة حفيده فرعون زمن موسى عليهالسلام حتى ادعى بملكه ومعارفه الألوهية ، وكان من قصته ما هو مذكور في القرآن العظيم (١) ، ومن غريب ما يستحق الذكر أن مؤرخي مصر القدماء لم يذكروا حادثة غرق فرعون ونجاة موسى عليهالسلام ببني إسرائيل بانفلاق البحر ، مع أنها حادثة كبرى وبناء على إهمالها أنكرها من لا دين له من متمشد في هذا العصر ، وأضافوا إلى ذلك في الإستدلال أن قبر فرعون المذكور وإسمه منفطا الثاني موجود بين قبور الفراعنة في الصعيد بالمكار المعروف بباب الملوك ، فلو كان غرق لما كان له قبر وأجاب عن هذا بعض النصارى : بأن وجود القبر لا يدل على وجود المقبور ، كما أن وجوده يمكن أن يكون قبل موت فرعون على عادة أسلافه من إحضار قبورهم مضخمة مزخرفة وهو قد هيأ ذلك وإن لم يدفن فيه ، ويحتمل أن يكون إيجاد القبر تعصبا من المصريين ، وعنادا في إخفاء الأمر الذي أحاط بهم دفعا للعار عنهم
__________________
(١) راجع القصة المذكورة في سورة القصص.