قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار [ ج ٢ ]

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار [ ج ٢ ]

تحمیل

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار [ ج ٢ ]

162/392
*

من الطاعة لفرنسا لأنها إنما أرادت الإنتقام من الوالي حسين باشا وقد حصل فالجهات الشرقية من القطر انفرد بالحكم فيها الحاج أحمد باي قسنطينة والجهات الجنوبية والغربية تشتتت تحت رؤساء القبائل ، ورام الفرنساويون محاولة تطويعهم بالرفق بأن يتولى الأمر في وهران والي تونس بإرسال أحد عائلته أو أحد متوظفيه فأرسل والي تونس واحدا من جهته ومعه شرذمة من الحرس فلم ينفذ أمره في مدينة وهران فضلا عن خارجها ورجع من حيث أتى ثم أجمعت الجهات الغربية والجنوبية على مبايعة الرجل الوحيد سلالة النسل المطهر الأمير سيدي عبد القادر بن محيي الدين الحسيني (١) وقام لله حق القيام وصحبته النصرة الإلهية في كثير من الوقائع إلى أن كان في بعضها ما هو خارق للعادة من الكرامات (٢) كطفر فرسه الأزرق به ستين ميتر وحيث أحاطت به العساكر الفرنساوية كالحلقة وراموا مسكه باليد

__________________

(١) هو عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى الحسني الجزائري. (١٢٢٢ ـ ١٣٠٠ ه‍) أمير ، مجاهد ، وعالم شاعر. ولد في القيطنة (قرية بالجزائر). قاتل الفرنسيين في الجزائر خمسة عشر عاما. ثم نفي إلى طولون ومنها إلى أنبواز. ثم سرحه نابليون الثالث. واستقر في دمشق إلى أن توفي. الأعلام ٤ / ٤٥ ، الإستقصا ٤ / ١٩٣ واليواقيت الثمينة (٢١٦).

(٢) إن الأولياء وكراماتهم مما يجب الإيمان به وتعريف الولي هو المؤمن المستقيم بطاعة الله عزوجل ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [يونس : ٦٢ ٦٣] وقال أيضا : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت : ٣٠] وصف الله في هذه الآية الأولياء بالاستقامة وهي لزوم طاعة الله بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والإكثار من نوافل العبادات.

ثم الكرامة هي أمر خارق للعادة تظهر على يد المؤمن المستقيم بطاعة الله وبذلك تفترق الكرامة عن المعجزة بأن المعجزة تكون لإثبات النبوة ، وأما الكرامة فتكون للدلالة على صدق اتباع صاحبها لنبيّه. وهي ترتفع باختيار الولي وطلبه.

قيل : وقد يكون من لا يكشف له أفضل ممن كوشف لأن الذي يكاشف بشيء من الخوارق قد يكون ذلك ليقوّي إيمانه ويثبت جنانه. وفوق هؤلاء أقوام باشر بوطنهم روح اليقين وحسنت سرائرهم بنور التقوى ، فلا حاجة لهم إلى مدد من الحوادث ولهذا لم تكثر في الصحابة الكرامات كثرتها فيمن بعدهم. ومما يفترق به الولي عن النبي أن الولي تجوز عليه المعاصي الكبيرة والصغيرة لكنه معصوم من الكفر. والدليل على ذلك حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري برقم (٦٥٠٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الله تعالى : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ومعنى الحديث أي بلا كيف لا بالحلول والمجاورة الحسية لتعاليه سبحانه عن الحلول في شيء من خلقه أو مجاورته لشيء من خلقه بالحيّز والمكان كما تعتقد ملاحدة المتصوفة المشبهة.

فينبغي أن يستحضر طالب الحق هذه القاعدة أن الصريح لا يؤول فلا يلقها من يده فإنها تنفعه وتمنعه من التسليم لما يراه في الفتوحات المكية للشيخ محيي الدين بن عربي من العبادات التي هي صريحة في الكفر ، ورأينا في ذلك أنها مدسوسة عليه لأمرين.