قنسل الإنكليز على إنشاء عهد الأمان. ومما استدل به كل منهم عمل الدولة العثمانية بالتنظيمات الخيرية حتى صرح بذلك وزير الخارجية لفرنسا في مكتوبه المرسل في ذلك الشأن إلى قنسله المأمور بقراءته على الوالي وتفاوض الوالي مع خاصته ووزرائه في ذلك واستقر الأمر على إنشاء عهد الأمان وقرىء في موكب شامل لجميع المتوظفين وأعيان البلاد ونواب الدول ورئيس الأسطول الفرنساوي. ونصه :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أوضح للحق سبيلا ، وجعل العدل لحفظ نظام العالم كفيلا ، ونزل الأحكام على قدر المصالح تنزيلا ، ووعد العادل وتوعد الجائر ومن أصدق من الله قيلا.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي مدحه في كتابه بالرؤوف الرحيم وفضله تفضيلا ، وبعثه بالحنفية السمحا فبينها تبيينا وفصلها تفصيلا ، ورتبها كما أمره ربه إباحة وندبا وتحريما وتحليلا ، فلن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ، وعلى آله وأصحابه الذين أقاموا على معالم الهدى علما لمن اقتدى ودليلا ، وفهموا الشريعة نصا وتأويلا ، وأبقوا سيرتهم الفاضلة وأحكامهم العادلة أمانا جليلا ، ونستوهبك اللهم توفيقا يوصل إلى الإسعاد برضاك توصيلا ، وعونا على أمور الإمارة التي من حملها فقد حمل عبئا ثقيلا فقد توكلنا عليك والتجئنا إليك وكفى بالله وكيلا. أما بعد :
فإن هذا الأمر الذي قلدنا الله منه ما قلده وأسنده إلينا من أمور خلقه بهذا القطر فيما أسنده ، ألزمنا فيه حقوقا واجبة وفروضا لازمة راتبة ، لا تستطاع إلا بإعانته التي عليها الاعتماد ولولاها فمن يقوم بحق الله وحق العباد ، فمحضنا النصيحة لله في عباده وأرضه وبلاده ، والأمل أن لا نبقي فيهم بحول الله ظلما ولا هضما ولا نخرم لهم في إقامة حقوقهم نظما ، وأنى ينصرف عن هذا القصد بعمله ونيته من يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة ولا يحب الظالمين في بريته ، فقد قال لنبيه المعصوم الأوّاب : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص : ٢٦]. والله يرى أنني آثرت في قبول هذا الأمر على خطره مصلحة الوطن على ذاتي ، وعمرت بخدمته الفكرية والبدنية غالب أوقاتي ، وقدمت من التخفيفات في الجبايات ما علم خبره وظهر بعون الله أثره ، فانتشرت الآمال وتشوّقت النفوس إلى ثمرات الأعمال ، وانقبضت عن التعدي أيدي العمال ، واستقصاء المصالح يقتضي تقديم إجمال ، ومن رامها جملة فقد عرضها بسبب التعذر إلى الإهمال ، ورأينا غالب أهل القطر لم يحصل لهم الأمنية بإجراء ما عقدنا عليه النية ، وجرت عادة الله أن العمران لا يقع من نوع الإنسان إلا إذا علم أن برأته هي الأمن له والآمان ، وتحقق أن سياج العدل يدفع عنه خوف العدوان وأن لا وصول لهتك ستر من حرماته إلا بقوّة الدليل ووضوح البرهان ، ولا يكفي لتحققه الواحد والإثنان ، فإذا رأى