الوجود منه كدفع أثمان بعض مهمات مما لم يحل أجله ، ولقد أعان على عدم حصول الدين الوزير خير الدين لأن الوالي كان أرسله لعقد قرض في فرنسا عند إرسال العسكر لحرب الروسيا سنة ١٢٦٩ ه ولم يمكن له معارضته لأنه مستبد ، لكنه تشدّد في شروط القرض وسوّف حتى توفي الوالي المذكور ، وساعد وريثه محمد باشا على عدم الإستقراض ومع ما تقدم فأحمد باشا مدّة صحته لم يستبد عليه وزير وله مآثر حسنة في القطر ، أهمها :
إحياء العلم بعد أن كاد يندثر ، فرتب في جامع الزيتونة ثلاثين مدرسا بجارية قدرها ستون ريالا في الشهر ، وهذا المقدار إذ ذاك له موقع عظيم لما تقدم لك في مقادير مرتبات العلماء ، ثم رتب إثني عشر مدرسا آخر بمرتب خمسة عشر ريالا في الشهر ، وخصص للأوّلين مواريث من لا وارث له الراجع ذلك لبيت المال ، وللثانيين أحباسا تلاشتها أيدي العدوان ، كما أقام بالجامع خزائن كتب بها نحو سبعة آلاف مجلد ونتج من ذلك إحياء العلم وكثرة العلماء بالقطر ومنهم فحول يعز نظيرهم ولا زال ذلك مستمرّا ولله الحمد.
ولما ولي محمد باشا في سنة ١٢٧١ ه لم يغير شيئا من فخامة الحكومة لكنه جعل أكبر همه رفع المظالم على الرعايا وجلب ثروتهم لما كان يتيقنه من المضرات التي كانت حاصلة لهم ، وأبقى وزراء ابن عمه على ما كانوا مع ما في نفسه من حالة مصطفى خزنة دار لكنه غلبه على أمره فيه وزيره المستنصح لديه إسماعيل السني صاحب الطابع ، فكان كالباحث على حتفه بظلفه عفى الله عن الجميع كما يرد خبره ، والسبب في ذلك هو تخوف إسماعيل من تقدم أحد أقرانه للوزارة المعتبرة وهي وزارة العمالة ، فأنفت نفسه من ذلك وواعده وعاهده مصطفى خزنة دار على الإلتحام به وتقديمه على غيره إذا أبقي في الوزارة ، فسارع للوالي وقال له لا غنى لنا عن مصطفى خزنة دار لعلمه بما لم يعلمه غيره من أسرار الحكومة وأموالها إلى غير ذلك ، ولم يزل به إلى أن أقرّه وعاهده على الصفاء والنصح.
وأما الوزير مصطفى صاحب الطابع فقد أبقاه شيخ الوزراء من غير مباشرة ، وأما محمود كاهيه وزير البحر فإنه توفي وولي عوضه الوزير خير الدين وافتتح الوالي أمره بتنقيص كمية العساكر بعد انفصال الحرب مع الروسية مع مراعاة ضباطهم فأبقى في الخدمة القادر العارف على قدر الحاجة وجعل لغيرهم نصف مرتب مع إبقاء المقام ، وكذلك أسقط جميع المظالم على الأهالي وعوضها بأداء واحد على كل فرد ذكر بالغ قادر على السعي وهو ستة وثلاثون ريالا في السنة أي ثلاثة ريالات في الشهر وهي قدر فرنكين الذي لا يجحف بأحد مع إمكان ضبطه ، وضبط أيدي العمال عن التجاوز فيه مع تحجير العقوبة بالمال وعمم ذلك الأداء على جميع القبائل والبلدان بالسواء ، ولم يبق عليهم غيره إلا عشر الحبوب من القمح والشعير وعشر الزيت أو عوضه من القانون ، وقانون النخيل أي الخراج على أعداد النخيل ولم يستثن من ذلك أحدا إلا أهالي المدن الكبيرة وهي تونس والقيروان وسوسه والمستير وصفاقس ، فأبقى بها أنواع الأداء السابق المختلف الأسماء على أنواع