والراية من نوع راية الدولة ورسم إسم السلطان على السكة وأصحاب الهدايا هم الذات السلطانية والصدر الأعظم من خواص الوكلاء كقبطان باشا والسر عسكر وأمثالهم ، وأما غير ذلك فلم تكن حالة القطر تقتضيه ولذلك لما رأى وزير الدولة سنان باشا الفاتح حالة القطر أمر رؤوساءه ، بأن الجباية يقيمون بها ضرورياتهم وما يلزم لحماية القطر من الإستعدادات الحربية وما يلزم إليه من المصالح العامة ، ولم يرسم بشيء آخر. ثم قدم قبطان باشا في حدود سنة (١٠١٣) لتفقد حال القطر وما تقتضيه حاله بعد استقرار الأمر ، فأرسى بأسطوله في حلق الوادي وخرج له إذ ذاك عثمان داي في جماعة من كبراء الجند وتفاوضوا معه على مصالح بلادهم ، وبعد أن تحقق عنده إنقيادهم لطاعة الدولة وعدم الإقتدار على الأداء ، أقلع من هناك راجعا وبقي الأمر على ذلك إلى أن بدا للدولة العلية إبدال عادات الدولة في شأن ولاة الأقطار من إطلاق التصرف إليهم لما تفاقم حال ظلمهم وعدم انقيادهم أحيانا لأوامرها ، ومنهم حسين باشا والي الجزائر الذي تسبب بأعماله في دخول الجزائر تحت الفرانسيس بحربهم.
وكان ذلك الإنقلاب في دولة السلطان محمود وصدرا من ولاية أحمد باشا ، فخشي الباشا المذكور من وصول النوبة إليه في التغيير ، وزاد خوفه بسبب ما كان حصل من سلفه من تعريضه بالإمتناع من نزول قبطان باشا في حلق الوادي عند قدومه لإرادة التوجه برا للجزائر ، لعزل واليها الذي عقد الحرب مع الفرانسيس وبزواله يزول الإرتباك ، فاعتذر له بأن الكرنتينة أي التحفظ من المرض العام لا تبيح نزوله ، وأكرم مقدمه وهاداه في ذاته وكان السبب الحامل له على الامتناع هو أن دولة الفرانسيس لما أعلنت بحرب الجزائر بعد التشكي للدولة العلية ، كاتبت حسين باشا والي تونس بالإنذار «بأنه إذا أعان بشيء يلحق الحصار والحرب به». مع إجماع الخلق على ظلم والي الجزائر فخشي والي تونس أن يعد مرور قبطان باشا إعانة للجزائر ، لأنه لا يمكن مروره بدون حامية فإذا دخل للجزائر بحامية من عسكر تونس يعدّها الفرنسيس إعانة ، وأيضا إذا تسامعت العربان بمرور باشا تركي في وسط الولاية هاجوا لما في طباعهم من التشكي من المتولي كيفما كانت سيرته ظنا أن الجديد يساعدهم على مرادهم كيفما طلبوا ، وقد كان ذلك من الغفلة التي سبق بها القدر لإنفاذ الأمر في الجزائر ، فخشي أحمد باشا مما سبق وانضاف إلى ذلك فتح الباب من الدولة العلية في مقدمات ما كان يخشاه ، وهو طلبها من تونس الأداء السنوي وإلحاحها فيه المرّة بعد المرّة ، إلى أن توجه إليها عالم القطر الأفريقي سيدي إبراهيم الرياحي (١) وواجه السلطان محمود وقبل اعتذاره وسكت عن طلب الخراج ، وأيضا طلب من الباشا القدوم بنفسه لدار الخلافة ولم يكن معتادا منذ الفتح الخاقاني إلى الآن ، وطلب منه أيضا أن تكون
__________________
(١) هو إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد الرياحي التونسي أبو إسحاق (١١٨٠ ـ ١٢٦٦ ه) فقيه مالكي ولد في تستور ونشأ وتوفي بتونس ، الأعلام ١ / ٤٨ معجم المطبوعات (١٣٨١).