غير المراسي التي على البحر هي بيد الأهالي ، ويرسلون منهم إلى أقاصي الممالك لمعاطاة الأشغال التجارية ووصلها بمملكتهم ، حتى لا تكاد تجد مدينة شهيرة للتجارة في إحدى قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا إلا وفيها من تجارهم من له مزيد الرواج والثروة ، ولهم براعة في إدارة التجارة يناكبون بها الأوروباويين ولا زالوا يحترسون من تداخل الأجانب في أحوال مملكتهم حتى أنهم يمنعونهم من السكنى في غير المراسي التي على البحر ، وسفراء الدول يسكنون في مرسى طانجه ، ومن أراد منهم مواجهة السلطان يرسل إليه بطلب ذلك فيرسل له السلطان خفراء مخصوصين ويقدمون به من هناك إلى تخت المملكة ، فينزل في إحدى القصور الملكية ويعين له يوما للمواجهة فيخرج فيه ويقف في ساحة أو طريق رحيبة معلومة وتقف العساكر والمتوظفون يمينا وشمالا ، ثم يأتي السلطان راكبا في خاصته وحاشيته وهم مشاة إلى أن يقرب من السفير فيتعرض له وعند الوصول إليه يوقف السلطان سير جواده ويسلم على السفير ويلقي إليه السفير الكلام الرسمي المعهود للإقتبال فيجيبه السلطان بمثل ذلك ويعلمه أنه أذن وزيره باقتباله والتفاوض معه في مأموريته ويستمر في سيره وينفصل الموكب وبعد ذلك يقع التفاوض بين الوزير والسفير إلى أن يستقر القرار على شيء ، فيعود السفير إلى البلد المستقر به محفوفا بالخفر.
ومن عوائدهم في أمن الطرق أن كل قبيلة حول إحدى الطرق تكون كفيلة بمن يمر في ذلك الطريق على حدود معلومة ثم يدخل المسافر في كفالة غيرها وهكذا على شرط أن لا يسافر ليلا وأن يعطي على كل دابة أجرا مخصوصا لتلك القبيلة وهذا الأجر لا يحجف بالمارين فإذا حصلت مضرة لأحد المسافرين تغرمها القبيلة التي وقع في حدودها ذلك الحادث ، وإذا دخل وقت الغروب فيجب على المسافر المبادرة إلى أحد المنازل الواقعة على الطريق لتلك القبائل وهم يرحبون به ولهم منازل كثيرة حول الطريق ، وكذلك البريد له في كل بلدة شيخ وله أتباع يحملهم المكاتيب ويأخذ عليها أجرا زهيدا ويسافر به الحامل ومعه رفيق لكي لا يقع التعطيل بمرض أو غيره ، ويمشون راجلين ويمكنون المكاتيب في كل بلدة بيد شيخ بريدها وهو يوزعها ما لم يعرض أمر خاص فلصاحبه إرسال بريد خاص بأجر وافر على حسب بعد المكان ولأصحاب البريد سرعة في السير. أما بريد الدولة فهو في عهدة القياد يرسلونه من واحد إلى آخر إلى أن يصل لمقره وأصحابه ركاب ولا يسمح لأجنبي مطلقا أن يقيم بداخل المملكة.
واليهود يسكنون في المدن وغيرها على صفة أهل الذمة غير أن عوائدهم القديمة معهم تجاوزوا فيها حد الشرع في إهانتهم وإذايتهم حتى فتحوا عليهم بابا لمداخلة الدول بواسطة الجمعيات اليهودية في ممالك أوروبا وكانت أرسلت في أواسط هذا القرن دولة الإنكلتيرة طالبة من السلطان تغيير تلك العوائد فأجابهم لطلبهم قائلا أن الحكومة تسلك معهم هذا المسلك وأما الأهالي فحيث كانوا غير منقادين لجميع الأوامر فعلى الحكومة مراقبتهم بقدر الإستطاعة.