وأنْ يكون عطوفاً مع الضعفاء والأيتام. فقد جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام عسل وتين من همدان وحلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها ، وهو يُقسّمها للناس قدحاً ، قدحاً ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟ فقال : « إنّ الإمام أبو اليتامى ، وإنّما لعَّقتُهم هذا برعاية الآباء » (١).
بل وتبلغ عطوفة الحاكم الإسلاميّ وتتسع وظيفته إلى درجة يجب عليه أداء دين من مات ولم يترك شيئاً ... قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك » (٢).
وعن أمير المؤمنين في مواساة الحاكم للضعفاء : « إنّ الله جعلني إماماً لخلقه ففرض عليَّ التَّقدير في نفسي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقيرُ بفقري ولا يطغي الغنيّ غناهُ » (٣).
ولمّا لبس عاصم بن زياد العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع (٤) بن زياد إلى أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قد غمَّ أهله وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « عليَّ بعاصم بن زياد » ، فجيء به فلما رآه عبس في وجهه ، فقال له : « أمّا استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكرهُ أخذك منها ، أنت أهون على الله من ذلك ، أوليس الله يقول : ( وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ ) ( الرحمن : ١٠ ـ ١١ ) ، أو ليس الله يقولُ : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * [ إلى قوله ] يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) ( الرحمن : ١٩ ـ ٢٢ ) ، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من أبتذالها بالمقال ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( الضحى : ١١ ).
فقال عاصم : يا أمير المؤمنين فعلى مَ اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة ؟ فقال : « ويحك إنّ الله عزَّ وجلَّ فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة النَّاس ، كيلا يتبيَّغ بالفقير فقره ».
__________________
(١ ـ ٣) الكافي ١ : ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٣٣٩.
(٤) وفي نهج البلاغة ، علاء بن زياد.